قال له قائل: وأين محل الصادقين؟ وأين محل الكرام الأحرار؟
قال: محل الصادقين في السماء الدنيا، عند بيت العزة، فهناك محلهم لأنهم عبيد النفوس.
قال قائل: وما بيت العزة؟
قال: حيث نزل القرآن جملة واحدة، في ليلة مباركة، فوضع في بيت العزة، في سماء الدنيا، ثم نزل نجوما في عشرين سنة، كذلك روي عن ابن عباس رحمه الله!
وأما محل الأحرار الكرام، فالبيت المعمور، في حدود عليين. فوق
السماء السابعة. يلجونها ثم يتفرقون منها، على مراتبهم، في عليين إلى العرش، عساكر بعضها فوق بعض، حتى ينتهوا إلى محل الأربعين، حول العرش.
(الفصل الثالث) (ولي حق الله وولي الله)
فهؤلاء كلهم أولياء حقوق الله، وهم أولياء الله يصيرون إلى الله تعالى في مراتبهم. فيحلون بها ويتنسمون روح القرب، ويعيشون في فسحة التوحيد والخروج عن رق النفس. قد لزموا المراتب، فلا يشتغلون بشيء إلا بما أذن لهم فيه من الأعمال. فإذا صرفهم الله من المرتبة إلى عمل أبدانهم حرسهم، فيمضون مع الحرس في تلك الأعمال، ثم ينقلبون إلى مراتبهم. هذا دأبهم.
فمن لم يف منهم بما شرط عليه من لزوم المرتبة، ومضى في عمل من أعمال البر، يحسب أنه قد قوي واستغنى؛ بما ناله من نور القربة فينبغي ألا يكون معطلا -فقد وقع في الخذلان. لأنه ترك الشرط، ومضى بهوى نفسه.
وإنما شرط عليه لزوم المرتبة، لأن هوى نفسه معه، والأدناس التي وصفت في نفسه. فكيف يجوز له أن يمضي من المرتبة إلى عمل بلا إذن؟ فإنه إذا مضى بلا إذن، لم يكن معه حراس، بل معه هواه وشهواته. فإذا عمل لله تعالى، وهواه معه، أيترك ويخلى سبيله لأنه يرجع إلى مكان القربة ، فيقف مع الصفوة في المرتبة؟ إن هذا الحمق عجيب، لمن طمع في هذا! وقد لطخ الحق وعمل بهوى نفسه.
فهذا رجل مخدوع مستدرج يعمل نفسه في أنواع البر، ويزعم أنه إنما خلق للعبودية، وهذه عبودية. فيقال له: إن عبودية الأولياء أصفى من أن تخالطها هنات النفس. وكيف يكون ما تعمل عبودية، وأنت في أوحال النفس وشهواتها وخدعها وأمانيها والتفاتها إلى خيالها؟ فإن احتج بقول الله، عز وجل:
Bogga 13