وإن الله وصف هذه الأمة، في تنزيله، فقال: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا}. فذكر عن كعب عن التوراة: ((أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، صفوة الرحمن)). فجعلهم على ثلاثة أقسام: ظالم ومقتصد وسابق. ثم قال (تعالى): {ذلك هو الفضل الكبير}. وفي كل قرن سابقون إلى آخر الزمان . وحظهم الذي سبق لهم من الله واصل إليهم، في كل وقت وزمان.
فمن أدرى هذا الزاعم بقلة علمه، ألا يكون لأحد حظ مثل أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما، هل آيس الله الخلق من بعدهما من ذلك؟ أو حرز رحمة إلا عنهما؟ وإنما يذهب إلى هذا الزعم من خفي عليه شأن القلوب مع الله عز وجل، وشخصت عيناه إلى حركات جوارحه. وقد عظم ذلك في عينه وأعجب به، فصار معتمده.
بل كائن في هذا الأمة من يعرف مقاماتهم وحظوظهم من ربهم، لأن معرفة ذلك إنما تعرف من بحر المعرفة. وأرواح الصديقين متقاربة وقلوبهم في المحل لديه مؤتلفة، عارف بعضها بعضا في المقام. فإنما يعرف حظ أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما، من الله (بمعرفته) بحظ نفسه من الله تعالى. وكان أبو بكر حظه من ربه، عز وجل، في ملك العظمة وعمر حظه في ملك الجلال. وعلي حظه من ربه في ملك القدس.
قال له القائل: وما تلك الحظوظ؟
قال (الشيخ): حظ أبي بكر الحياء: قال: رضي الله عنه ((إني لأدخل الكنيف فاقنع رأس حياء من الله تعالى)) وحظ عمر الحق: ألا ترى إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن الله ضرب الحق على لسان عمر وقلبه))؟ رضي الله عنه! وحظ علي، رضي الله عنه المحبة: ألا ترى إلى جوامع خطبه وحسن ثنائه على ربه؟ والرسول صلى الله عليه وسلم مقامه في ملك الملك بين يديه، وحظه منه وحدانيته.
Bogga 90