قال (الشيخ): إن كنت تعني في العمل فلا؛ وإن كنت تعني في الدرجات فغير مدفوع. وذلك أن الدرجات بوسائل القلوب؛ وقسمة ما في الدرجات بالأعمال. فمن الذي حرز رحمة الله تعالى عن أهل هذا الزمان، حتى لا يكون فيهم سابق ولا مقرب ولا مجني ولا مصطفى؟ أوليس المهدي كائنا في آخر الزمان؟ فهو في الفترة يقوم بالعدل فلا يعجز عنه. أوليس كائن في الزمان من له ختم الولاية؟ وهو حجة الله على جميع الأولياء يوم الموقف. كما أن محمدا صلى الله عليه وسلم؛ آخر الأنبياء. فأعطي ختم النبوة، فهو حجة الله تعالى على جميع الأنبياء. فكذلك هذا الولي الذي هو آخر الأولياء في آخر الزمان.
قال له القائل: فأين حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((خرجت من باب الجنة، فأتيت الميزان. فوضعت في كفة وأمتي في كفة، فرجحت بالأمة. ثم وضع أبو بكر مكانه فرجح بالأمة. ثم وضع عمر مكان أبي بكر فرجح بالأمة))؟
قال (الشيخ): هذا وزن الأعمال لا وزن ما في القلوب، أي يذهب بكم يا عجم؟ ما هذا إلا من غباوة أفهامكم! ألا ترى أنه يقول: ((خرجت من باب الجنة))؟ فالجنة للأعمال والدرجات للقلوب. والوزن للأعمال لا لما في القلوب. إن الميزان لا يتسع لما في القلوب. فالميزان عدله، وما في القلوب عظمته. وكيف توزن العظمة؟ وقد جاء في الخبر: ((أن العبد يتحير عند الميزان. فيقول له الملك: هل تفقد شيئا من عملك؟ قال: بلى! شهادة أن لا إله إلا الله. قال: إنها أعظم من أن توضع في الميزان!)).
وإنما تقدم الأنبياء الخلق بالنبوة، لا بالأعمال؛ والأولياء بالصديقية، لا بالأعمال. وإنما تقدم محمد صلى الله عليه وسلم ، وسائر الأنبياء بما في قلبه، لا بالأعمال؛ فقد كان عمره يسيرا. ولو كان بالأعمال، لكان عمل عشرين سنة يدق في جنب عمر نوح. وإنما رجح ميزان أبي بكر، رضي الله عنه، بالعمل. لأنه عمل في أهل الردة ما لم يلحقه أحد. ولم يكن بعده ردة مثلها إلى يومنا هذا، فيعمل مثل عمله. فبه رد الله الإسلام على الأمة. فهذا فضل يوازي عمل الأمة ويزيد. أو لم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها)). فلما عمل في الردة ما عمل، كان له كعمل الأمة كلها إلى آخرها، والزيادة عمله لنفسه، وذلك رجح عمله عمل الأمة.
Bogga 88