و(أنا) إنما أصف لك أمر رجل مستعمل: قوم الله سيرته، وأدبه، وجعل سلطان جيشه في استعمال الحق. أو (أصف لك) رجلا أعظم شأنا من هذا: فهو يستعمله والحق والسلطان على مقدمته! فمتى يصل إلى ما ذكرت فيعمل ما يهوى الناس ويحسن عند المداهنين المتزينين!
والذي ذكرت شأنه (وأنكرته) هو رجل يتبع الحق فيصيبه في بعض الأمور بجهد. ومع ذلك تشاركه النفس ومزاجها قائم في الأمر. فيتكلف الرحمة. فهذا الذي يجتهد في إظهار الرحمة في فعله، وقلبه ليس على وفاق من ظاهره. فلذلك يتصنع ويرى من نفسه الخشوع والهدى. وليس ذلك خشوعا إنما ذلك تماوت. ألا ترى أن أبا الدرداء رضي الله عنه، لما وصف الأبدال، قال: ((ليسوا متماوتين ولا متخشعين))؟ لأن ذلك التماوت (هو) خشوع النفاق. وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((نعوذ بالله من خشوع النفاق. قالوا: يا رسول الله، وما خشوع النفاق؟ قال: أن يخشع البدن والقلب غير خاشع)).
أما ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ((إذا غضب لم يقم لغضبه شيء؟ وكان له عرق، بين عينيه، يرى عنه الغضب. ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها. وكان من أرحم الناس، وأحلم الناس، وأصبر الناس على الأذى. فإذا جاء عناد أو ظلم للحق، لم يستقر حتى ينتصر له. وقد وسع الناس بسطه وخلقه. وسار لهم أبا، وصاروا عنده في الحق سواء. مجلسه مجلس حياء وعلم وصبر وأمانة)). حدثنا بذلك سفيان بن وكيع، حدثنا جميع بن عمر العجلي في حديثه في صفة النبي صلى الله عليه وسلم . قال صلى الله عليه وسلم : ((إنما كان يستعمل الحلم والصبر في رقة لأهله. وكان موسى، صلوات الله عليه: ((إذا غضب أخرقت قلنسوته من شدة سلطان غضبه لله وجل!)).
Bogga 80