فتأتي البشرى على قلبه في اليقظة، فإن القلب خزانة الله، وروحه يسري إلى الله تعالى، في منامه، فيسجد له تحت العرش، وقلبه يسير إليه فوق العرش في الحجب، فيلاحظ المجالس، ويناجي ويبشر. وفيه توحيده وإلهامه وفراسته وسكينته، وهو أثبت وأوكد.
وإنما قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم لذكر المنام لأن النفس مزايلة للروح في ذلك الوقت، فلا تقدر أن تلقي فيها شيئا. والقلب الذي قد نال مجالس الحديث قد ماتت نفسه. وهو في قبضته أحصن وأوكد حراسة من الروح في منامه. ثم يرجع من حيث كان إلى عقله فيعرض عليه.
وإذا ذكر (الرسول عليه الصلاة والسلام) الرؤيا عندنا، لأن
الرؤيا أعم وأكثر. والقلب الذي في قبضته قليل في الخلق، لا يبلغ عددهم عدد الأصابع. وأين قوله عز وجل: {أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه؟} وهل البينة إلا ما انكشف عنه من الغطاء؟ وأورده الحق؟ فصار على بينة من ربه. وهل الشاهد الذي يتلوه إلا السكينة، التي ذكر الله تعالى في كتابه: {ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم} فقد أخبر الله عز وجل، عن فعل السكينة في القلب: أن يزداد بها طمأنينة فإن الحق يقبله (القلب) والسكينة يسكن إليها.
(الفصل الرابع عشر) (البشرى)
قال له قائل: وما صفة الولي الذي هذه بشراه؟
قال: احفظ علينا حتى ينقضي ما نحن فيه!
أن الله عز وجل، خلق هذا الآدمي وله قلب (هو) وعاء لتوحيده، ونفس (هي) وعاء لشهواته. والصدر ساحة القلب والنفس. ولكل واحد منهما باب شارع إلى هذه الساحة. وللنفس مشاركة مع القلب فيما يرد على هذا القلب في هذا الصدر. فما دامت النفس حية، في غطاء الشهوات لم تؤمن من أن تلقى من حديثها في القلب، كي يأخذ بحظها من البدن (فبالنبوة) انكشف الغطاء ولم يبق هناك شيء يحتجب. فماتت النفس وحيي القلب. فإن بشرت بالنجاة، لم يكن هناك نفس تضيق (تعيق؟) وتضر وتستبد.
Bogga 49