وكلاهما وليا أمر الله بالصدق، حتى ولي الله أمرهما. فالأول خرجت له الولاية من الرحمة: فولي الله نقله من بيت العزة إلى محل منزلة القربة، في لحظة. والثاني خرجت له الولاية من الجود: فولي الله نقله، في لحظة، من ملك إلى ملك حتى مالك الملك. وهو قوله تعالى: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور} فالله ولي إخراجهم من ظلمات النفس إلى نور القربة، ثم من نور القربة إلى نوره.
ثم قال تعالى: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} ولي الله أمرهم، وولي نصرهم على نفوسهم، فتولوا أيام الدنيا نصرة حقوقه. ثم ولي أخذهم إليه، وضمهم إلى المحل بين يديه، فتولوا دعوة خلقه إليه والثناء عليه.
ثم وصف (عز وجل!) هؤلاء الأولياء، فقال: {الذين آمنوا وتطمئن
قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب} أي: اطمأنوا إليه وكانوا يتقون. أي: يتقون أن يطمأنوا إلى أحد سواه!
(الفصل السابع) (خصال الولاية العشر)
قال قائل: صف لنا الخصال العشر، التي تمت له ولاية الله بها: من التقويم والتهذيب، وسائر الخصال، التي ذكرت.
قال: نعم! أقامه (الله تعالى!) في المرتبة، على شريطة اللزوم لها. فلما وفر له بالشرط، ولم يبغ عملا في محل القربة نقله- منها إلى ملك الجبروت، ليقوم بجبر نفسه ومنعها بسلطان الجبروت، حتى ذلت وخشعت، ثم نقله منها إلى ملك السلطان، ليهذب، فذابت تلك العزة التي في نفسه، وهي أصل الشهوات، فصارت بائنة عنها. ثم نقله منها إلى ملك الجلال ليؤدب. ثم نقله منها إلى ملك الجمال لينقى. ثم إلى ملك العظمة ليطهر. ثم إلى ملك الهيبة ليزكى. ثم إلى ملك الرحمة ليوسع. ثم إلى ملك البهاء ليربى. ثم إلى ملك البهجة ليطيب. ثم إلى ملك الفردانية ليفرد.
فاللطف يفرده، والرحمة تجمعه، والمحبة تقربه، والشوق يدنيه. ثم يهمله، ثم يناجيه، ثم يبسط له. ثم ينقبض عنه! فأين ما صار فهو في قبضته، وأمين من أمنائه. فإذا صار في هذا المحل، فقد انقطعت الصفات، وانقطع الكلام والعبارات، فهذا منتهى العقول والقلوب!
قال له قائل: فهل للقلوب منتهى؟ فإن ناسا يقولون: أنه لا منتهى للقلوب، لأن القلوب تسير إلى ما لا منتهى له. فكل ولي يزعم أنه قد انتهى إلى مقام لا يتقدمه أحد فهو مخطئ. ومن أين يبلغ عظمة الله، حتى يكون للقلوب منتهى؟
Bogga 26