ثم توالت بعد ذلك المجمع الذى مال بالمسيحية عن معناها مجامع أخري، وأول مجمع عام انعقد بعد ذلك كان المجمع القسطنطينى الأول سنة ٣٨١ ميلادية وفيه أضيفت إلى مناصب الألوهية روح القدس لتتم عناصر الأفلاطونية الحديثة التى أشرنا إليها انفا.
ولكن يظهر أن ألوهية المسيح التى قررها مجمع نيقية لم تكن قد استقرت فى الأذهان، فقد جاء من بعد ذلك نسطورس، واعتقد أن المسيح ابنا للإله بالحقيقة، إنما البنوة مجازية، إذ هو ابن بالنعمة والمحبة، لا بالألوهية، فاجتمع مجمع أفسس الأول سنة ٤٣١، ليبطل قوله، ويكفروه كشأنهم فى كل من يجهر برأى.
توالت من بعد ذلك الخلافات المفرقة، فمنهم من قرر أن مريم ولدت المسيح الإنسان ثم فاضت عليه البنوة الإلهية التى هى اللاهوت، فيقولون أن فى المسيح صفتين هما اللاهوت والناسوت، أو الإنسان والإله، والابن هو مجموع الاثنين، وهو الأقنوم.
والاخرون يقولون إنه طبيعة واحدة تجسد فيها العنصر اللاهوتي، ومريم ولدت الناسوت واللاهوت معا، فقد ولدت الإنسان والإله.
وقد اعتنقت الكنيسة المصرية واحدة الطبيعتين وولادة مريم لهما معا.
وكان الخلاف الشديد بينهما، وكان النزاع وكان الجدل، وكل جدل يحل الاعتقاد، ويضعف قوته، ويخضد شوكته، ولا يجعل له قوة دافعة مانعة.
وقد اشتد ذلك كله فى القرن الخامس والسادس.
وبذلك نقول مقررين أمرين:
أولهما
- أن القرن السادس كانت العقائد فيه غير قارة فى النفوس، والاراء تخلق وتعتنق ثم يتعصب لها، وليس التعصب دليلا على قوة الاعتقاد، بل التعصب دليل على الانحراف النفسي، والنظر الجانبي، وكذلك كان تعصب الملكانيين ضد اليعقوبيين، إذ كان فى جملته إدراكا جانبيا منحرفا.
العصبية هى المسيطرة فيه، وليست قوة اليقين هى المسيطرة.
ثانيهما
- أن النفوس فى القرن السادس كانت مهيأة للعقيدة الصحيحة تعتنقها إذا ظهرت بيناتها، وقام الاستدلال المنطقى عليها، وخصوصا أن الأفكار المرددة كانت أوهاما، أو أقوالا غير متميزة تميزا عقليا، ولم تكن قد استقرت استقرارا يجعل التعصب لها يشبه الطائفية، كما حدث من بعد بين النصاري، وبين اليهود.
1 / 25