والالام يجعلهم فى حاجة إلى عزاء من الدين، وسلوى بالجزاء فى يوم اخر غير يوم الشقاء الذين يعيشون فيه، والعامل الثانى الذى أضعف هذه السلوى هو أن الالهة التى تمثلوها فى الأوثان فى زعمهم قد فقدت قوة تأثيرها.
وقد أرادت الفلسفة أن تحل محل الأديان، ولكنها لم يكن لها تأثيرها، فاتصلت بالأديان والتقت بها التقاء تعاون، وليس التقاء تخاصم وتناحر، كما كان الشأن بينهما.
جاء فى كتاب (المباديء الفلسفية) «إن الفلسفة استخدمت نظريات علوم اليونان لتهذيب الاراء الدينية، وترتيبها والتقدم بها إلى الشعور الدينى اللجوج بفكرة فى العالم قد تقنعه. فأوجدت نظما دينية تتفق مع الأديان فى النظر فيما وراء المادة اتفاقا يختلف قلة وكثرة» .
وهنا نجد الفلسفة اليونانية التى تسمى الأفلاطونية الحديثة تحاول الالتقاء بالديانتين اللتين كانتا بارزتين فى ذلك الإبان، وقد تخاذلت وثنية اليونان والرومان عن أن تقف واحدها فى الميدان، فأتى باراء فى خلق العالم تقرر أن منشيء الكون الجدير بالعبادة فى نظرها يشتمل على ثلاثة أمور:
أولها- أن الكون صدر عن منشيء أزلى دائم لا تدركه الأبصار ولا تحده الأفكار ولا تصل إلى معرفة كنهه الأفهام.
ثانيها- أن جميع الأرواح شعب لروح واحدة، وتتصل بالمنشيء الأول بواسطة العقل الذى صدر عن المنشيء صدور المعلول عن علته، فهما متلاقيان فى القدم. ويصبح التعبير عن المنشيء الأول بالاب وعن العقل بالابن، وإن كان أحدهما ليس متخلفا عن الاخر فى الزمان.
ثالثها- أن العالم فى تدبيره وتكوينه خاضع لهذه الثلاثة.
التثليث فى الفلسفة:
١٨- وخلاصة القول أن المنشيء الأول هو مصدر كل شيء، وإليه معاده لا يتصف بوصف من أوصاف الحوادث، فليس بجوهر، ولا بعرض، فليس بفكر كفكرنا، ولا إرادة كإرادتنا، ولا وصف له إلا أنه واجب الوجود، يتصف بكل ما يليق به، يفيض على كل الأشياء بنعمة الوجود، ولا يحتاج هو إلى موجد له.
وأول شيء صدر عن هذا المنشيء فى نظر صاحب تلك المدرسة- وهو أفلوطين- هو العقل، صدر عنه كأنه متولد منه، ولهذا العقل قوة الإنتاج، ولكن ليس كمن تولد عنه.
1 / 22