44

Khatarat Nafs

خطرات نفس

Noocyada

لقد كنتم دهورا، وكانت عروشكم قمم هذه الجبال، ومعابدكم من مرمر مسنون، وفي خدامكم عذارى يشرق جمالهن حول تلك المعابد، وينتشر عطرهن حول ما يحرق من بخور.

كنتم تخاطبون الناس على قدر عقولهم أيها الآلهة يوم كانت عقول البشر أقل مرانا على فهم المعاني العالية، فتصورون أنفسكم في حدود تصوراتهن، وتشكلون عظمتكم بأشكال خصالهم، فتقتتلون مثلما يقتتل الإنسان، وتغضبون مثلما يغضب، وتلعبون مثلما يلعب، وتمكرون مثلما يمكر. اختلطتم بأهل الأرض، وكنتم تعيشون بينهم، وتتبادلون وإياهم المشاعر، وكنتم ضيوفا عندهم، وكانوا عيالا عليكم، وكانت حياة البشر حقا مقدسا.

ولكنكم قدرتم أيها الآلهة أن عقول الناس قد مرنت، وأن بصائرهم قد صفت، وأن قلوبهم قد رقت، فتحولتم في الأذهان إلى آلهة ذوات معان دقيقة وصفات لطيفة لم يفهمها الناس حق فهمها فتباعدت المسافة حينئذ بينكم وبين نفوس الناس، ثم تحولتم بعد ذلك إلى ربوبية واحدة ومعنى أوسع وقوة أشمل. كانت بيوتكم هياكل، وكانت كنائس، وكانت مساجد، وإن تلك الهياكل التي شادتها يد الإنسان ستزول. وإن تلك المساجد التي دعمتها يد الإنسان ستزول. ولكن عروشكم الأولى القائمة على جلال الكون وجمال الطبيعة باقية لا تزول.

والآن أجلس في بيت من بيوتك يا ربة الحكمة، فلا هو بالهيكل، ولا هو بالكنيسة، ولا هو بالمسجد، ولكنه بيت يحفظه التاريخ، ويحوطه العلم، وتحترمه الحكومات، وتحج إليه العلماء، ويطوف به أهل الفن، ويذكر في عرصاته الذاكرون كيف تتغير الأحوال، وكيف تستحيل المدنيات، وكيف يفهم الجمال؟!

تحولوا ما شئتم أيها الآلهة، حسبما تجدون من ظروف الأرض والزمان واستعداد العقول، ولتسعد بكم أحزابكم، فلقد تبينت ربي، وعرفت إلهي.

هو رب أبي مذ كنت في صلبه، ورب أمي مذ تكونت في أحشائها، هو رب كما تعلمون واسع باسط. له بيت من حجر، لا نقوش عليه كبيوتكم، ولا فن فيه. لا يضره إذا فتت بيته واستحال رمالا، تذروها رياح الصحراء الملتهبة. ولا يفرحه أن سبكت له مدنيات الدنيا وفنونها؛ لأن كل شيء ما خلاه باطل، فهو غني بنفسه، وهو قانع من المعابد والبيوت بكتلة من الحجر الأسود لا نسق فيها ولا جمال.

ربي، يا ربة الدار، بدوي الطبع، يقنع من الأرض بالرمل الواسع، ومن السماء بكواكبها وغيثها، وحسبه الشعور بوفرة العزة والكرامة.

ذلك هو ربنا، يا ربة الدار. ذلك هو رب الكعبة الذي نودي اسمه بعد عشرين قرنا مضت على هيكلك بين جدرانه. فقال قائلنا حينئذ: الله أكبر، الله أكبر، حي على الفلاح.

لقاء الوطن

القاهرة في 10 من سبتمبر سنة 1923 ... وحينما كانت تسير بنا السفينة في الليل، حيث لا نرى إلا نجوم السماء، والأفق مظلم من جميع النواحي التي تحيط بالفلك، يممت نحو ربان الباخرة، حيث كان في غرفة عمله، فحييته وقلت: أنحن الآن في منطقة مصرية أيها الربان؟ فقال: نعم. فقلت: ومتى إن شاء الله نرسى على بر مصر؟ قال: في ضحى الغد. عندئذ تولاني ضرب من السرور، وسرى إلى فؤادي نوع من الاطمئنان، ولبست درعا من العزة، فأشعلت غليوني، ثم أخذت أسير على ظهر الباخرة، وأخرجت من محفظة أوراقي كتبا، وردت إلي وأنا في بلاد الغربة من أهل وأصدقاء، كتبا كنت هممت بتمزيقها وطرحها بعد أن علمت ما بها إلا أن عاطفة حالت بيني وبين أن أقبر تلك الرسائل في أرض غريبة نائية، فلما علمت أنني أتنفس من هواء مصر، وتظلني سماؤها، ويحملني ماؤها، ألقيت في اليم بتلك الكتب التي قدرت أن لا فائدة من حملها، وقلت في نفسي: اليوم لا ضرار، فالآن تزول حروفها في ماء الوطن وتتحلل مادتها.

Bog aan la aqoon