الشاة المسمومة وقالت: فيَّ سَمّ فلا تأكلْني (١)، فكلّ هذه الأمور وما يشابهها أعجب من كلام الطير والنملة، وكان في تكليم هذه الأشياء لنبيّنا ﷺ معجزات كالتسليم عليه بالنبوة، والشهادة له بالرسالة، والتصديق لما (٢) جاء به، والتوسّل إليه والتشفع (٣) به في الشدائد، بخلاف كلام الطير والنملة، فإنّ ذلك لم يكن لإظهار المعجز لسليمان ﵊، وإنما كان شيئًا علّمه إيّاه فسمع ذلك فيفهمه (٤) كما يسمع من يعرف لسان الفارسي فارسيًّا يتكلم أو يُكلّمه فيفهم ما يقول، فهي فضيلة واحدة: وهي فهم كلامِ ذلك المتكلم، وفهم محمّد ﷺ لتلك الأشياء كان فيه هذه الفضيلة وفيه معجزة تخبر برسالته وأمور أخرى كما تقدّم، وإنما كان تبليغ الهدهد رسالةَ سليمان ﵊ إعانة له على تبليغها، وقد كان يمكنه إرسالها مع غير الهدهد مما سخّر الله تعالى له [ق ٤٦/و] من الريح والجنّ وغير ذلك، ومُبلّغوا رَسائل محمّد ﷺ كانوا أصحابَه الذين يتكلّمون بما لا يمكن غيرهم من التبليغ ما يمكنهم كما هو معروف في سيرته، وأما النملة فإنما كان كلامُها لمصلحتها ومصلحة النمل، لا لمصلحة سليمان ﵊ ولا إظهارًا لمعجزته، بل خوفًا من أن يحطمها سليمانُ وجنوده وهم لا يشعرون، ففهّم الله تعالى سليمان ﵊ كلامَها، وهو فضيلة جليلة لكن فضيلة محمّد ﷺ أعظمُ لما قدّمناه، وأبلغ من ذلك أن الحجر والشجر الجمادَين يكلّمان أمّةَ محمّد ﷺ، وذلك ما روي في الصحاح وغيرها عن أبي هريرة ﵁ أنّ رسول الله ﷺ قال: «لاتقوم السّاعة حتى يُقاتل المسلمون اليهودَ، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهوديّ من وراء الحجر والشّجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبدالله هذا يهوديّ خلفي فتعال فاقتله، إلا (٥) الغرقد فإنّه من شجر اليهود» (٦).
(١) تقدم تخريجه، انظر: ص ٤١١ - ٤١٢.
(٢) في ب "بما".
(٣) في ب "والنفع".
(٤) في ب "فيفهم" بدون الهاء.
(٥) في ب "إلى"، وهو خطأ ظاهر.
(٦) أخرجه مسلم (٤/ ٢٢٣٩)، في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء، ح ٢٩٢٢.