Khariidadda Aqoonta
خريطة المعرفة: كيف فقد العالم أفكار العصر الكلاسيكي وكيف استعادها: تاريخ سبع مدن
Noocyada
كان هارون الرشيد شخصية تحمل قدرا بالغا من التناقض؛ فقد كان منغمسا في الملذات، ومفعما بالنشاط، وعنيفا، وورعا، وكريما، وقاسيا، وأريبا. كان بذخ حاشيته أسطوريا. كان يمكن لزوجته، زبيدة، أن تضاهي أي ملياردير معاصر؛ فكانت تتناول الطعام بأدوات مائدة من الذهب والفضة، وابتدعت تزيين الأحذية بالياقوت. كانت ثيابها المبهرجة مرصعة بكثير جدا من الحلي حتى إنها عند نهوضها من مكانها، كانت تحتاج إلى أن تستند إلى خادمة على كلا جانبيها. عاش زوجها هو الآخر كل لحظة كما لو كانت اللحظة الأخيرة في حياته. اشتهر هارون بمطارحة الغرام مثلما اشتهر بخوض الحروب، ولكن شهيته للتعلم كانت مثيرة للإعجاب بالقدر نفسه. وما إن تولى السلطة، حتى وضع الثقل الجبار للخلافة خلف مهمة البحث عن كتب قديمة. وشأن أسلافه من قبله، كان من شأنه أن يرسل فرق إغارة إلى داخل التخوم الجنوبية للإمبراطورية البيزنطية عددا من المرات يصل إلى ثلاث مرات في العام.
5
أثناء الفوضى الناجمة عن هذه المناوشات، كان الجنود يستولون على أي شيء يمكن أن تصل إليه أيديهم، وكانت الكتب على رأس قائمة الغنائم الثمينة.
6
في بغداد، أنشأ هارون بيت الحكمة لاستيعاب هذه الكتب والباحثين الذين عملوا عليها. لا نعرف إلا أقل القليل عن الشكل الذي كان يبدو عليه بيت الحكمة، أو الكيفية التي كان يعمل بها أو المكان الذي كان يوجد فيه؛ ومن ثم فأي مقترحات يتعين أن تكون مستندة على أوصاف لأماكن مماثلة، ممزوجة بجرعة من التخمين والتخيل.
7
غير أننا نعرف أنه احتوى مكتبة - غرفة أو غرفا ضمت الكتب الكثيرة التي كانت تجمع وتنتج هناك - لذا لا بد أنه كانت توجد أماكن ينسخ فيها النساخ المخطوطات، ويعمل فيها الباحثون على الترجمة. من المحتمل أنه كان يوجد عدد كبير من الموظفين المكلفين بإدارته؛ إذ يذكر كتاب «الفهرست» بعض أمناء المكتبات والمديرين بأسمائهم ويدرج أسماء كثير من الباحثين الذين عملوا هناك، ولكن العشرات من الرسل والجالبين والسعاة وعمال التنظيف وهلم جرا، الذين عاونوهم لا يمكن إلا افتراضهم. كانت مراكز المعرفة الأخرى في الفترة نفسها عادة ما تقدم للباحثين مكانا للنوم وتوفر لهم الطعام؛ لذا فمن المرجح وجود غرف لتناول الطعام والتواصل الاجتماعي، مؤثثة حسب العادة بسجاجيد وموائد منخفضة. وكانوا في الغالب يخزنون الكتب في صناديق بدلا من وضعها على أرفف كما كانت لديهم مكاتب يراجعونها عليها، مع أوراق وقصب كتابة توفر مجانا. من المستحيل معرفة هل كان بيت الحكمة يوجد داخل أحد مجمعات القصور الشاسعة أو كان منفصلا، ولكن في نهاية القرن العاشر، بدأ سليل هارون، الخليفة المعتضد، في بناء قصر جديد كان به ملحق يشتمل على سكن وغرف دراسة للباحثين. ويبدو أيضا أنه خطط لنقل مكتبة المأمون إلى هناك. هل كان هذا الملحق نسخة من بيت الحكمة؟ أم كان تصميما محسنا، يحتل موقعا أقرب إلى قلب القصر؟ من المرجح أن الباحثين عاشوا حياة سلسة إلى حد ما، يعملون في بيت الحكمة ساعات طويلة حتى المساء وفي بعض الأحيان يقضون الليل هناك، في حال كونهم منخرطين في مشروع كبير، مثلا، وفي أوقات أخرى يعودون إلى البيت إلى زوجاتهم وعائلاتهم في مكان آخر في المدينة.
في قرية كركر، خارج بغداد مباشرة، كان أحد النبلاء، ويدعى المنجم، يمتلك في قلعته مجموعة مهمة من الكتب ، ومن المحتمل أن مكتبته كانت تدار بطريقة مشابهة لتلك التي يدار بها بيت الحكمة. جاء الباحثون من بلدان كثيرة مختلفة ليدرسوا في مكتبة المنجم؛ فكان يحتفي بهم باعتبارهم ضيوفه، وفي المقابل، عززوا سمعته باعتباره راعيا للتعلم، متنورا ومثقفا. وانعكس هذا بالمثل في أنحاء الإمبراطورية؛ فأخذ الصفوة أمر رعاية البحث العلمي مأخذ الجد للغاية، برعايتهم للباحثين ومنحهم كل ما يحتاجون إليه من أدوات للكتابة، ومكان للمبيت والطعام، ومال، وكتب وتشجيع أكاديمي؛ كي يستفيدوا أكبر استفادة من مواهبهم. لا بد أن كل هذه العناصر كانت متاحة في بيت الحكمة، وكذلك عاملا التعاون والتنافس الفعالان؛ فالباحثون يعملون معا على مشاركة أفكارهم وإمكاناتهم، ولكنهم أيضا يسعون إلى التفوق بعضهم على بعض؛ ومن ثم توسيع نطاق حدود المعرفة دوما.
كان يوجد العديد من المكتبات المتاحة لاستخدام العامة في بغداد، وكثير منها كان ملحقا بالمساجد ومدارسها؛
8
Bog aan la aqoon