Khariidadda Aqoonta
خريطة المعرفة: كيف فقد العالم أفكار العصر الكلاسيكي وكيف استعادها: تاريخ سبع مدن
Noocyada
ومن غير المستغرب أن الكتب لم تنتفع من دفنها في خندق، حيث «تضررت جراء الرطوبة والعثة»؛ إذ كان أفضل كثيرا لها لو كان قد انتهى بها الحال على أرفف مكتبة بيرجامون، بجدرانها المصممة خصيصا لتسمح بتدوير الهواء وتمنع الرطوبة.
شكل 1-1: الواجهة المعاد بناؤها لمكتبة سيلسوس في مدينة أفسوس المدمرة، بنيت في القرن الثاني لتكون ضريحا لسيناتور روماني وكذلك مستودعا لنحو 12 ألف لفيفة. حفظت هذه اللفائف في خزانات وضعت في كوات ذات جدران مزدوجة مصممة لتتحكم في مستويات الرطوبة والحرارة.
كان المنافس الأعظم لبيرجامون من ناحية كونها مركزا فكريا هو مدينة أفسوس. فقبيل نهاية القرن الثاني، بدأت أفسوس تتقدم في السباق من أجل الظفر بلقب «المدينة الأولى في آسيا».
5
عجلت الزلازل والهجمات القوطية من تراجع بيرجامون أثناء القرن الثالث. ووصلت المسيحية إلى المدينة، معلنة بدء بناء كثير من الكنائس. ولكن، رغم أن أهل بيرجامون نعموا بفترة من الاستقرار، فإنها كانت قصيرة الأمد. وفي القرن التالي، تقلص تعداد السكان مع تزايد اضطهاد غير المسيحيين (إذ بقيت طوائف وثنية عديدة في المدينة) وأهلك الطاعون أولئك الباقين. في ذلك الوقت، كانت أفسوس في أزهى فتراتها. كانت عاصمة الإقليم الروماني في آسيا ميناء مزدهرا، وتشتهر بمعبد أرتميس؛ أحد عجائب العالم القديم. كان الزوار يسلكون طريقا مشجرا، من المرفأ عبر المدينة، يكسوه الرخام وتصطف على جانبيه الأعمدة، مرورا بمتاجر تبيع تذكارات أرتميس، وصولا إلى المسرح المدرج المهيب الذي يمكنه استيعاب 24 ألف شخص. في عام 117 ميلادية، بنيت مكتبة هناك تكريما للسيناتور الروماني سيلسوس، الذي كان مدفونا في ضريح تحتها. ضم هذا البناء الباهر 12 ألف لفيفة، مما يجعلها ثالث أكبر مجموعة، بعد مجموعتي الإسكندرية وبيرجامون. كانت المكتبة قد تضررت من الداخل على يد القوط عندما هاجموا المدينة في عام 268 ميلادية، ولكن الواجهة الكبيرة بقيت صامدة حتى وقع أخيرا زلزال أسقطها في القرن العاشر.
كانت أفسوس، أيضا، من المراكز الأولى للمسيحية؛ إذ عاش هناك القديس بولس في منتصف القرن الأول، بينما أمضى القديس يوحنا أعوامه الأخيرة فيها، يكتب إنجيله. ومع إمساك الديانة الجديدة بزمام السيطرة، كان من المحتم أن تعاني المقدسات الوثنية القديمة. فخرب أولا معبد أرتميس ثم صار مهجورا، ودفنت تماثيله عميقا في باطن الأرض، حيث لا تستطيع الشياطين التي كانت تسكنها أن تهدد المواطنين المسيحيين بالأعلى، ثم دمرت معابد المدينة الأخرى وحولت إلى كنائس. ولا شك في أن نصوصا كثيرة أتلفت في الوقت نفسه. ومع امتلاء مصب النهر بالطمي، تشكل سهل رسوبي جديد وحدث تغير جذري في الشريط الساحلي. وعزلت أفسوس عن التجارة والاتصال بما حولها (في الوقت الحالي هي مدينة داخلية تبعد عدة أميال عن الساحل)؛ وبحلول القرن الثالث عشر، أصبحت شبه مهجورة.
إذن ماذا حدث لكل اللفائف في مكتبات أفسوس وبيرجامون؟ تزعم إحدى الحكايات الخرافية أن القائد الروماني ماركوس أنطونيوس أخذها من المكتبة في بيرجامون وأعطاها حبيبته كليوباترا، من أجل مكتبة الإسكندرية. فهل حاول العلماء المحليون إنقاذ بعضها؟ هل أخذت إلى مكان أمين وأعيد نسخها وحفظها بعناية، وتوارثتها أجيال من العائلات، أم أنها أخفيت في خرائب المعابد القديمة؟ لا بد أن ذلك حدث لبعض منها؛ لأن الأناضول، كما سوف نكتشف، كانت محط تركيز رئيسي في بحث العباسيين عن النصوص اليونانية القديمة في القرن التاسع. يصف مصدر عربي يعود إلى القرن التاسع معبدا قديما، يبعد مسيرة نحو ثلاثة أيام من القسطنطينية، وقد «أغلق منذ تنصرت الروم.» أقنع العرب المسئول البيزنطي بأن يفتح البوابات، «فإذا ذلك البيت من المرمر والصخر العظام ألوانا»، وفي الداخل «من الكتب القديمة ما يحمل على عدة أجمال.»
6
ولكن نحن بحاجة، أولا إلى العودة بالزمن إلى الوراء، إلى البداية، عندما جلس إقليدس وبطليموس وجالينوس كي يؤلفوا كتبهم؛ لنرى المكان الذي صنعت ونشرت فيه النسخ الأولى. عاش جالينوس بالأساس وعمل في روما وبيرجامون، ولكن كلا من بطليموس وإقليدس كتبا أعمالهما الرائعة في المدينة التي كانت القلب الفكري للعالم القديم، وهي مدينة الإسكندرية؛ مقر المكتبة التي ألهمت المكتبات وفاقتها شهرة منذ ذلك الحين.
هوامش (1)
Bog aan la aqoon