عقب ذلك سكوت جاءت أثناءه الجارية تدعوهما إلى الغداء.
اتفق الاثنان - الأب وابنته - نهائيا على أن يتخذا سائر التدابير اللازمة لإلغاء الأمر في سفر شكري بك، أو تأجيله، ومما فاه به الباشا على المائدة إذ عاد إلى الموضوع قوله: «متى يعلم هؤلاء الألمان أنه مهما عظم نفوذهم يجب أن ينتهي عند سلاملك التركي؟ يمكنهم أن يستبدوا بأمورنا في الباب العالي حتى وفي يلديز أيضا، ولكنهم والله والنبي لن يستبدوا بأمورنا في منازلنا.»
كان رضا باشا لم يزل وابنته يتناولان الغداء إذ جاء الخادم يعلن قدوم ياور الجنرال فون والنستين. - قدم إليه السيكارات، وقل: إني قادم لمقابلته في الحال.
أحنى الخادم رأسه طوعا، ثم لمس فمه وجبينه بيده تسليما وتنحى، وما هو إلا ربع ساعة من الزمن حتى ذهب الباشا إلى السلاملك حيث كان الياور بالانتظار، وهناك قدم الضابط الألماني الرسالة التي جاء بها، وأتبعها بهذه الكلمات، وسعادة الجنرال قادم بذاته عند الساعة الرابعة بعد ظهر اليوم ليقوم بواجب التهاني لسعادتكم.
ففض رضا باشا الرسالة، وأعارها نظرة، ثم أدخلها جيبه دون أن يهتم بما حوته، وقال وهو لم يزل واقفا: أبلغ سعادة الجنرال أننا نرحب بقدومه، ونتأهل به.
وعاد إلى ابنته، وعلى طرف فيه ابتسامة صفراوية، وقال لها: تأملي يا جهان، إن ذاك الألماني متبع قواعدنا؛ فهو يرشونا ليكسب ثقتنا.
أما الرسالة فقد كانت مكتوبة بالتركية بيد لم تمارس الكتابة بتلك اللغة، فكأنها يد متتلمذ رفعته الضرورة إلى مقام كتامة الأسرار في الأستانة، ولا يبعد أن يكون أحد أولئك المتتلمذين الذين كانوا يتلقون اللغات الشرقية، وقد جاءتهم الحرب الحاضرة خير مريح لهم من عناء الدرس.
لم تقرأ جهان الرسالة كما قرأها أبوها بروح الازدراء، بل بشعور وامتنان حقيقيين، على أنها لو جاءت في غير هذا الوقت متضمنة غير ما احتوته لكانت جهان لا شك تنقد عبارتها البتراء، واقتضاب ترجمتها، وركاكة تركيبها، وخلوها من آيات التبجيل والإكرام مما يمجه الذوق التركي، إلا أن «جلالة الإمبراطور قد أنعم بالصليب الحديدي على نجلك مجيد بك لبسالته في ساحة الوغى.»
كلمات رنحت جهان افتخارا بأخيها المحبوب، وقد أملت أن تكون الرسالة التالية من الجنرال فون والنستين حاملة إليها إنعاما عليها من الإمبراطور.
ثم أشار إليها أبوها بإيناس وبشاشة قائلا: لك أن تستقبلي الجنرال بعد الظهر، وهذا سرورك برسالته، فإنك لا تضطرين أن تتظاهري بغير الطلاقة والترحاب، أما أنا فلن أكون حاضرا، فإني ذاهب إلى يلديز.
Bog aan la aqoon