جهز الرسول جيش أسامة قبل وفاته بمدة قليلة، وكان يقصد إيفاده إلى الشمال، واجتمع في الجرف في شمالي المدينة، ولما علم بمرض الرسول أجل حركته.
وبعد وفاته أوفده أبو بكر لينفذ الخطة التي رسمها له الرسول في حياته ونصح بعض الصحابة أبا بكر أن يبقيه لكي يعتز به الإسلام، وأراد بعضهم تبديل قائده، بيد أن الخليفة لم يجب طلبهم ولم يرض أن يبدل ما قرره الرسول، وليس لدينا معلومات موثوق بها عن قوة هذا الجيش؛ لأن المؤرخين القدماء جريا على عادتهم بحثوا في قائده والأوامر الصادرة إليه والغاية المتوخاة من إيفاده وغير ذلك، ولم يذكروا مقدار قوته.
وإذا تأملنا في سبب إيفاده ظهر لنا أن قوته يجب أن تكون كافية، وسبق أن جهز الرسول جيشين لهذه الغاية ذاتها وهما:
جيش جعفر بن أبي طالب الذي قاتل الروم في البلقاء في وقعة مؤتة، وكانت قوته ثلاثة آلاف مقاتل، والجيش الذي قاده الرسول بنفسه ليغزو به تبوك، وقد بالغ المؤرخون في قوته، وزعموا أنه بلغ ثلاثين ألفا.
أما جيش أسامة فهو الجيش الثالث، ونعتقد أن قوته يجب ألا تقل عن خمسة آلاف.
وكان المهاجرون والأنصار نواة هذا الجيش؛ فالمهاجرون والأنصار عماد الجيش الإسلامي، وهم كالحرس الذي كان يؤلفه الملوك للاعتزاز به في تنفيذ خططهم إصلاحية كانت أم حربية.
واشترك هؤلاء في غزوات الرسول وحروبه من أولها إلى آخرها، وكانوا يؤثرون النبي على أنفسهم في جميع أعمالهم، فكان الإسلام متمكنا من قلوبهم، ولا غرو إذا رأينا الإسلام يقوم على سواعدهم بعد وفاة الرسول، ولعل عددهم كان يتفاوت بين الألف والخمسمائة وبين الألفين لما توفي النبي.
وكان أكثرهم في جيش أسامة ما عدا البعض منهم، فإنه بقي في المدينة مع أبي بكر، أو أوفد في حياة الرسول عاملا أو معلما أو مبشرا إلى الأقطار العربية النائية أو جابيا أو معلما إلى القبائل العربية القريبة.
ويلي المهاجرين والأنصار قريش التي أسلمت بعد فتح مكة وأبلت بلاء حسنا في الإسلام بعد ذلك. أجل إنها لبت الدعوة أخيرا وقسرا، إلا أنها اقتنعت أن عز الإسلام من عزها فناصرت الرسول في حياته من أعماق قلبها، حتى إن الرسول بعد فتح مكة رضي أن يظل البعض من قريش مشركا حتى يفتح الله قلبه. ومع ذلك لم يحجم هذا البعض عن الجهاد معه في غزوة صفين أو في محاصرة الطائف، ولعل القوة التي كانت قريش تستطيع أن تجهزها للقتال زادت على ألفي مقاتل على أقل تقدير، ويلي قريشا القبائل الساكنة بين الحرمين، مكة والمدينة، وهي التي ناصرت الرسول في دعوته، وقد اشترك بعضها في الغزوات وجاهدت أخيرا في حروب الرسول فقربت هذه الحروب بينها وبين المهاجرين والأنصار وربطتها برباط متين.
فلا مندوحة إذن من أن نرى أبا بكر يدعوها إلى الجهاد لما كان جيش أسامة بعيدا عن المدينة، فلبت دعوته راغبة مطيعة، وهذه القبائل هي: أسلم وغفار ومزينة وأشجع وجهينة وكعب وغيرها.
Bog aan la aqoon