كانت إلهام كثيرا ما تزور سهام، ولم تكن سهام ترى في ذلك عجبا، وأي عجب يمكن أن يكون؟! فهما أختان بينهما مثل ما بين كل الأخوات من حب، شابه في حين من الأحيان خلافات حول ميراثهما من أبيهما، ولكن قليلا ما دامت هذه الخلافات، فالأب كان يعلم أن ابنتيه لن يرثا كل ماله إذا هو ترك المال يورث، فوزع عماراته على بناته بيعا وشراء بطريقة غاية في الذكاء، حتى لا يدعي أحد على العقود صورية، وغاية في العدل، بحيث لا تشعر واحدة من البنتين أنها غبنت، ولم يكن الخلاف إلا حول أشياء قليلة تركها في الخزانة، وحسمت الأم هذه الخلافات بأوامر لها صارمة لا تناقش، وعاد الحب الطبيعي يجمع بين الأختين.
وكانت إلهام تعيش مع أمها بعد أن مات عنها زوجها، فكان من الطبيعي أن تذهب كثيرا لزيارة أختها، وما لها لا تفعل والسيارة تحت قدمها.
ولكن سهام مع ذلك لم تقتنع بالصدف العجيبة التي جعلت إلهام تكون موجودة، كلما كان دري وناهد موجودين.
هذه لعبتنا يا ست إلهام، أم تراك أنت الأخرى تلعبينها؟!
ولقد راقبت سهام أختها رقابة شديدة، فلم تلحظ عليها شيئا، ولا هي على دري لاحظت شيئا، ولكن لا ... على من ... هذا التحفظ كله يخفي ما يدعو إلى التحفظ.
ولكن كيف يجرؤ على هذا التفكير، إنه حب جديد، ألا يغنيه حبي، حتى يبحث عن حب آخر؟ ويله! إن إلهام أرملة؛ إذن فقد يكون في الأمر زواج! أقتله، لقد كان يشكو لي من ناهد، وأنها لا تفهمه، ولكنها أيضا كانت لا تسأله عن شيء في حياته خارج البيت، وبقدر ما كان سعيدا بهذا بقدر ما كان يرى فيه غباء منها يضيفه إلى غباءات أخرى كثيرة تبدو منها؛ فالطاعة العمياء من الزوجة غباء عند الزوج. ملاعين هؤلاء الرجال لا يحبون أن يعارضهم أحد، ولا أن يناقشهم أحد، فإذا وجدوا المرأة التي لا تعارضهم ولا تناقشهم فهي غبية، وإن عارضت أو ناقشت فهي امرأة متعبة تملأ حياتهم تنغيصا، وتجعل البيت الذي ينبغي أن يكون مثابة للراحة والهدوء والاسترخاء نيابة عامة، أو مجلسا نيابيا.
كانت لا تعجبه ناهد، ويل له إذن من إلهام، المهم أن أعرف هل صحيح ما أفكر فيه؟ أكاد أقطع أنه صحيح، فإن كان، أهو استلطاف أم حب أم زواج؟ الزواج هو أهون الشرور؛ فمن حقه ما دام قد وجد من تمتع عواطفه أن يبحث عمن تمتع بيته، ولكن هناك شرطا، ألا يكون الزواج على حب، ليس من المحتم أن يكون الزواج على حب، بل إن الأفضل ألا يكون الزواج عن حب، فهذا زواجي مع حمدي قد توجد فيه كل العواطف إلا الحب، يحب أولاده على الرغم من أنهم لا يحترمونه، ولكنه يحبهم حب جنون، فهو يشعر أنهما يقويان الصلة بيني وبينه، وهكذا يستطيع أن يأمن بقاء الحياة بيننا؛ فهو واثق أنني لا أحبه رغم أنني الوحيدة التي أبدي احترامي له في البيت، ولا أقول عنه إلا البيه إذا تحدثت عنه، قد يثيرني أحيانا بغبائه، فأضطر إلى إسكاته حتى ينكتم، وقد أضطر أحيانا أن أعطيه بعض نقود أمام الخدم، ولكنني مع ذلك الوحيدة التي تحترمه في البيت.
مهما يكن الأمر فزواجي من حمدي زواج ناجح، وربما هو ناجح؛ لأنه لا صلة له بالحب، كل منا لا يطالب الآخر بالحب، ربما طالبت أنا ببعض أشياء تعبر عن الحب؛ كالاحتفال بعيد ميلادي، أو الاهتمام بطلباتي، ولكنني لا أطلب ذلك من باعث الحب عند حمدي، وإنما أطلبه في مقابل ما أقدم من مال؛ فأنا من حقي لا شك في مقابل هذا المال الذي أنفقه عليه، وعلى البيت، وعلى الأولاد أن أطالب ببعض اهتمام، أو ربما حتى بكثير من الاهتمام، هذا حقي.
على أية حال بيتي ثابت غير متعرض لأية أعاصير؛ فحمدي لا يعرف كيف يغضب مهما أفعل أنا، وأنا إن غضبت يعرف كيف يسكت، ودائما تمر الأمور، ويظل بيتنا ثابتا. لو كان على الحب قام لكان نهبا للأعاصير، فإن المحبين يطلبون الكثير، ولا ينالون إلا القليل، فويل إذن لدري إن فكر في الزواج عن حب.
أما إذا كان زواجا لمجرد الزواج، فالمصيبة أهون إلا أنه حينئذ سيقع سجينا لإلهام من العسير أن يفلت، ولكنه طبيب ما يزال. إفلاته أمر يمكن تدبيره، لكن لا بد أن أعرف، لا بد أن أعرف. - أليس هذا شيئا غريبا. - أبدا. - في كل مرة. - صدفة. - دري. - نعم. - فتح عينك. - على الآخر. - من التي أمامك؟ - المؤكد ليست ناهد. - إذن اعتدل. - معدول والله. - صدفة؟! - صدفة. - دري. - ماذا تظنين؟ - لا شأن لك بما أظن، أريد الحقيقة. - أنت تعرفين صداقتها بناهد. - دري. - أفندم. - أنت تعرف أن صداقة ناهد هذه لعبتي أنا. - فما الغرابة أن تكون لعبة أختك؟ - إذن فهناك لعبة. - على كل حال ليس من جهتي. - لا تهمني الجهة. - وعلى كل لست أنا الذي علمتها اللعبة. - ولا يهمني ممن تعلمتها. - قولي؛ ماذا تريدين؟ - هل هناك شيء؟ - وافرضي. - أقتلك. - ألا تعرفين أولا. - طبعا زواج. - مثلا. - أقتلك. - وأنت ماذا يهمك؟ - كيف لا يهمني؟ - أليست أختك أولى من ناهد؟ - زواج حب طبعا! - وهل يترك حبك مكانا لحب آخر؟ - علي أنا هذا الكلام. - وحياة بنتي الوحيدة إن هذا الزواج لا صلة له مطلقا بحبنا. - فما أسبابه؟ - أريد زوجة تعرف كيف ترتب بيتها؟ تعرف كيف تجعل الرجل يحيا، أنا أراك مرة في الأسبوع أو مرتين، الأسبوع كله مع زوجة لا تفهم شيئا، لماذا لا أعيش مثل كل الأطباء الذين نجحوا كما نجحت؟ لماذا أكون وحدي مع زوجة لا تفهم شيئا؟ - من أجل هذا فقط. - فقط. - من أين أعرف؟ - ذكاؤك يدلك.
Bog aan la aqoon