منع التشريح؛ لأن الطب والبيولوجية لم يعودا من العلوم التجريبية. (4)
منع التصوير، ولهذا المنع علاقة بالطب والبيولوجية والبناء والنحت ... إلخ. (5)
قلة الخشب وعدم وجود الفحم؛ لأن بناء السفن والمصانع واعتمال المعادن يحتاج إليهما.
هذه هي - في رأي كروثر - الأسباب التي منعت العرب من القيام بالنهضة، وهي أسباب في ذاتها وجيهة، ولكن الموضوع لا يزال بكرا يحتاج إلى زيادة في البحث والدرس؛ فإننا مثلا لا نعرف لماذا لم يعرف العرب البرلمان أو المجلس البلدي كما عرفهما الأوروبيون حتى في القرون الوسطى، وربما كان أعظم الأسباب لتأخر العرب ينحصر في استيلاء الأتراك والفرس والتتار عليهم، مع عجز العرب عن إدماغهم في جسم الأمم العربية؛ إذ بقوا منفصلين يمارسون السيادة الدينية فقط ، ويجب على كل حال أن نذكر أن ظلام القرون الوسطى عند الأمم العربية كان أقل حلكة مما كان في أوروبا، وأن الثقافة العربية فيما بين سنة 700 و1400 كانت أرقى بكثير من الثقافة الأوروبية في هذه الحقبة، وربما تكون الأسباب التالية جديرة بالنظر والاعتبار: (1)
لم يكن عند العرب كهنة يستأثرون بالثقافة ويحدون من حرية الفكر، وإن كان كثير من الخلفاء العباسيين قد اصطنعوا حقوق الكهنة، وهذا بخلاف الحال في أوروبا حيث استأثر الكهنة بالتفكير وقطعوا الصلة بينه وبين الشعب. (2)
بساطة الإسلام وخلوه من الارتباكات الغيبية، جعلت المسلمين أكثر حرية في التفكير من الأوروبيين. (3)
لسعة العالم الإسلامي، من حدود الصين إلى المحيط الأطلنطي، ولحرية العرب في الوصول إلى الشرق الأقصى، صار من الممكن إنشاء مدن كبرى، والمدينة الكبيرة التي تتسع دائرة تجارتها إلى الأقطار البعيدة هي أساس الثقافة الخصبة، أما أوروبا فإن ثقافتها عادت قروية؛ لقطع المواصلات بينها وبين أفريقيا وآسيا (والعرب هم الذين قطعوا هذه المواصلات). (4)
كان البحر وسيلة للمواصلات عند العرب، ولم يكن كذلك عند الأوروبيين. •••
والآن قد يتساءل القارئ: لماذا كل هذا الشرح عن الأدب العربي أو الثقافة العربية القديمة، مع أن الغرض الأصلي من هذا الفصل أن نعرف الطرق التي تمكننا من دراستهما؟
فنجيب على هذا السؤال بأنه يجب التقدير والتقويم؛ فإن كثيرين من الراغبين في الدراسة والثقافة في مصر يقتصرون على أدب العرب كأنه خير ما أنتجت عقول البشر، وكأن هذا الكوكب، وما أنتجته عليه عقول الإغريق والصينيين والهنود والألمان والإنجليز وغيرهم، لا قيمة له إلى جنب الثقافة العربية القديمة؛ فإن من أوجب واجباتنا أن ندرس الأدب العربي، ولكن بشرط أن نعرف مكانه في الآداب العالمية؛ لأنه قبل كل شيء موسوم بالقرون الوسطى، وهو بعيد عن النهضة العصرية البشرية.
Bog aan la aqoon