De Monzie .
والموسوعات بالطبع لا تقرأ، ولكنها تراجع، وفائدتها كبيرة إذا كانت حسنة، ولكن يجب الحذر من الموسوعات الإنجليزية (التي تنشر في إنجلترا) لعظم عنايتها بالألعاب الرياضية والأرستقراطية البريطانية والتاريخ البريطاني، وأيضا لأنها مستغرضة حولاء في نظرها إلى سياسة الاستعمار والمبادئ الإمبراطورية خاصة ، ولا يمكن قارئا أن ينتفع بهذه الموسوعات ، ويجب أن نذكر هنا أن «الموسوعة البريطانية» تطبع وتنشر في الولايات المتحدة الأمريكية على الرغم من اسمها، وهي عالمية النزعة.
ولكن مع هذا الذي ذكرنا عن قيمة الموسوعات، يجب أن نؤكد قيمة الكتاب أولا وآخرا؛ فإن الكتاب يثير العاطفة كما ينبه الذهن، ومؤلفه لا يكتب موجزا في موضوعه، بل يتوسع في الموضوع أو في ناحية معينة منه، ويمكن الاستغناء عن الموسوعات، ولكن لا يمكن الاستغناء عن الكتب، ولو خير القارئ بين المجلدات المئة التي وضعها الدكتور إليوت أو الدكتور هتشننز وبين الموسوعة البريطانية لوجب عليه أن يؤثر الأولى على الثانية؛ لأن الأولى ثقافة عامة أما الثانية فدليل فقط.
وفي الفصول السابقة ذكر لأسماء عدد غير صغير من الكتب يجب ألا تهمل.
البرنامج للتثقيف الذاتي
نقصد من إعداد البرنامج للتثقيف الذاتي إلى نقل النشاط من العقل الكامن إلى العقل الواجد؛ أي من الكامنة إلى الوجدان، أو من الرغبة العامة في الرقي الذهني إلى الإرادة الخاصة لتحقيق هدف معين، أو من بعثرة النشاط، يجري جزافا ويتفرق في نواح أخرى مختلفة، إلى بؤرة يحتد فيها ويلتهب، ثم يتشعع إلى أنواع أخرى، فيكون التوسع والتعمق معا عن مركز أصلي.
والواقع أن هذا ما يحدث بالفعل لكل شخص يقصد إلى الثقافة؛ فإنك لن تجد رجلا مثقفا إلا وله بؤرة أو بؤرات قليلة، يتجمع فيها نشاطه، بل يلتهب، ثم يتشعع منها. فهو يتخصص في مادة، ثم ينتقل منها إلى مواد أخرى. وهذا هو الشأن حتى في الذهن العادي إذا أخذ صاحبه نفسه بالجد في الدراسة.
وإعداد البرنامج يهيئ هذا التخصص، أي تكون البؤرة؛ فإن ظروف الحياة تستهلك الوقت والمال والجهد، وتبعثر هذه القوات، فلا يجد الراغب في التثقيف كفايته منها كي يدرس، ولكنه إذا أعد البرنامج، استطاع أن يوفر منها الكثير لهذه الغاية، فإذا شاء مثلا أن يدرس لغة أجنبية فإنه يحتاج أولا إلى دراسة على يد أحد المعلمين كي يقطع المرحلة الأولى، حتى إذا وصل إلى الاستقلال الدراسي احتاج إلى شراء الكتب وتخصيص الوقت، ثم هذه الدراسة يجب أن تكون متصلة، لا تنقطع شهرا أو ستة شهور ثم تعود؛ لأن هذا الانقطاع يبعثر النشاط وقد يؤدي إلى الفتور.
فكي نتثقف يجب أن نعد البرنامج، فنعين الوقت الذي سنتخيره للدراسة، ساعتين أو ثلاثا كل يوم، ويجب أن نعد المال الذي سننفقه على الدراسة بشراء الكتب أو المجلات، نحو عشرة جنيهات أو عشرين جنيها في العام، قد يذهب بعضها في استخدام معلم للابتداء في المادة والاسترشاد بنصيحته، ثم نوالي الدراسة مدة عامين أو ثلاثة أعوام، فلا نجيز لاهتمامات أخرى تستهلك الوقت والمال اللذين خصصناهما للدراسة.
والعجب أن أحدنا يؤدي لابنه خمسين جنيها في العام لنفقات تعليمه بالجامعة، أو عشرين جنيها لنفقات تعليمه بالمدارس الثانوية، ثم يبخل على نفسه بثلاثين أو أربعين جنيها يشتري بها الكتب كل عام، يعلم بها نفسه ويوالي تربيته الذهنية، ومجتمعنا للأسف لا يشجع على هذه التربية للعوائق التي سبق أن ذكرنا، مثل المباراة الاقتصادية المهلكة التي تجعلنا مسخرين في جمع المال خوفا من المستقبل، ومثل الزوجة الجاهلة التي تعارض في شراء الكتاب ولا تدرك أن رف الكتب هو أشرف الأثاث في البيت.
Bog aan la aqoon