إلا أن هذه الفلسفة الإنسانية قد اندثرت (إلا قليلا) في مصر القديمة والحديثة تحت ضربات القوى الطبقية الأبوية الصاعدة الرافعة شعار «قداسة الألوهية»، وقد تخفي الحاكم الفرعوني تحت زي الإله، وأصبح مقدسا لا يجوز نقده أو محاسبته، مما أدى إلى صعود القوة الحاكمة فوق الحق والمنطق، حتى يومنا.
إن الدكتاتورية أو السلطة المطلقة ليست سمة الحكومات في بلادنا العربية أو ما يسمونه اليوم الشرق الأوسط (الأوسط بين من ومن) بل هي سمة الحكومات جميعا غربا وشرقا، تختلف درجة الدكتاتورية من بلد إلى بلد، حسب ظروف كل بلد، وقد تحظى بعض الشعوب في أوروبا وأمريكا بحريات شخصية أو فردية تحت اسم الديمقراطية، لكنها ديمقراطية هشة سطحية لا تشمل الحياة السياسية والاقتصادية العامة أو الخاصة، وقد تقتصر أحيانا على الممارسات الجنسية، مما يؤدي إلى هذه الديمقراطيات المشوهة أو التناقضات الصارخة التي تعيشها النساء والرجال في بعض البلاد.
نحن نعيش في عصر الاستعمار الجديد
Neo-colonial ، وليس في عصر ما بعد الاستعمار
كما هو شائع في الجامعات الأمريكية والأوروبية، ورغم أنها مجرد كلمة إلا أن اللغة تكشف عن القوى الحاكمة في العالم، وهي تحكم من خلال المؤسسات السياسية والاقتصادية، بالإضافة إلى المؤسسات الإعلامية والتعليمية ومنها الجامعات.
منذ طفولتي في الثلاثينيات من القرن الماضي، وحتى اليوم في بداية القرن الواحد والعشرين وأنا أشهد عمليات القتل الفردية والجماعية تحت اسم الله أو الوطن أو الملك، أو الملكية التي تغير اسمها فقط إلى جمهورية أو جماهيرية أو شعبية أو ليبرالية ديمقراطية أو غيرها من الكلمات التي تصف بها الحكومات نفسها في الغرب والشرق على السواء.
تلعب اللغة دورها في إخفاء الحقيقة التي نعيشها، فإذا بالدكتاتورية تتخفى تحت اسم الديمقراطية، والاستعمار القديم والجديد يتخفى تحت اسم الحماية أو المعونة أو التنمية أو التحديث، والازدواجية أو الفساد، والكذب يتخفى تحت الشرف والأخلاق والصدق.
حين نطق الإنسان (المرأة والرجل) في بداية التاريخ غير المكتوب كانت اللغة تهدف إلى الإيضاح والتعبير عن الرغبات الطبيعية على رأسها الحب والتعاون وحل المشكلات التي تعترض الحياة في الواقع المعاش، كيف تحولت اللغة من أداة للوضوح والفهم والمعرفة إلى أداة للإخفاء والتمويه والتعمية؟
اللغة هي رموز تهدف إلى التعبير عن الواقع، واختزال الأشياء الضخمة الحجم إلى رسومات أو أرقام أو حروف يمكن قراءتها على الحجر أو الورق أو الشاشة أو ديسك الكمبيوتر.
وهنا تكمن خطورة اللغة أو غيرها من الرموز التي تشكل الفكر والدين والفلسفة والتاريخ والأدب والطب والهندسة وغيرها من الفنون أو العلوم الإنسانية والطبيعية.
Bog aan la aqoon