224

Jabinta Xuduudaha

كسر الحدود

Noocyada

عن توفيق الحكيم في ذكراه ال 15

(1) لإحياء الذكرى

إذا أردنا إحياء ذكرى توفيق الحكيم أو أي إنسان أو إنسانة قدمت أفكارا جديدة تنتشل عالمنا الإنساني من الحروب أو العنف أو العدوان على حقوق الآخرين أو الأخريات، فإن أفضل ما يمكن أن نفعله هو أن نناقش أفكار هذا الإنسان، أو هذه الإنسانة مناقشة هادئة عميقة، وأن نعيد قراءة هذه الأفكار قراءة متأنية بحيث نكتشف ما فيها من إيجابيات فنبرزها ونظهرها ونطرحها للنقاش على أوسع نطاق، وعلينا أيضا أن نبرز السلبيات أو ما نراه سلبيات مما يوضح نقاط الاختلاف في الآراء والأفكار المطروحة، وكم نتعلم أكثر من اختلاف وجهات النظر؛ لأن الاختلاف يكشف لنا عن نواحي النقص في تفكيرنا نحن، أو نواحي الغموض «وعدم الفهم» إن العنف في الحوار غالبا ما يكون سببه «عدم الفهم»، ومنذ أيام قليلة طلبني أحد الرجال الإسلاميين (هو الذي قدم لي نفسه بصفته إسلامي) وبدأ كلامه لي بصوت غاضب عنيف إلى حد أن أسلاك التليفون كانت تهتز من عنف صوته، إلا أنني استمعت له حتى النهاية، ثم بدأت معه حوارا هادئا حول نقاط الاختلاف بيني وبينه، ثم اكتشفت أنه لم يقرأ كتابا واحدا من كتبي الأربعين، وأنه استقى معلوماته عني من بعض الصحف التجارية المنتشرة في السوق هذه السنين، واعتذر الرجل عن عنفه وسوء فهمه أو عدم فهمه لأفكاري.

هذا مجرد مثل واحد لما يحدث في حياتنا كل يوم، ونحن نقع في هذا الخطأ ونكرره على نحو غريب، ويشجعنا على هذا تلك الحوارات العنيفة؛ التي نراها على الشاشة والقنوات الفضائية المحلية والعربية والدولية، وقد أصبح «العنف في الحوار» كأنما هو موضة العصر الأمريكي ما بعد الحديث، وأشهر برنامج للحوار في الولايات المتحدة يحمل اسم

Cross fire «التراشق بالنيران»، وفيه يجلس الشخص في مواجهة الآخر، ويتراشقان بالألفاظ والأفكار كأنما هي طلقات نارية فعلا، يحاول المذيع أو مقدم البرنامج أن يفض العراك على نحو يشبه الحرب.

وهل يمكن أن نقضي على الحروب الاقتصادية واغتصاب الأرض أو الحقوق المادية للناس من أرض أو مياه أو إنتاج زراعي أو صناعي ونحن نعيش الحرب اليومية في حياتنا الفكرية والثقافية والأدبية؟

ربما لهذا السبب أكتب اليوم لأناقش فلسفة توفيق الحكيم في ذكراه الخامسة عشر، لقد مرت خمسة عشر عاما على وفاة توفيق الحكيم، ولم أفكر في مناقشة فلسفته إلا اليوم، ربما كتبت مقالا واحدة أو مقالين خلال حياته، ومثلهما عند وفاته أو في الذكرى الأولى لوفاته ثم توقفت عن الكتابة عنه، ربما شعرت كأنما أنفخ في قربة مثقوبة كما يقولون، ولم أجد أحدا متحمسا لأفكار توفيق الحكيم بعد موته، أو ربما قلة قليلة كانت متحمسة، ثم ضعف حماسها مع مرور السنين.

وهذه عادة سيئة نتوارثها جيلا عن جيل منذ عهود الفراعنة، أو السلطة المطلقة في المجتمع الكبير والعائلة الصغيرة، إن «السلطة السياسية» هي التي تحدد لنا الأفكار والقيم والثقافة والأدب والفلسفة، ويطغى على الساحة الفكرية رجال ونساء السياسة وليس رجال ونساء الفكر.

ربما لهذا السبب شعرت بالزهد والابتعاد عن تلك الضجة الإعلامية الكبيرة لإعادة مناقشة فلسفة جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر، وشعراوي جمعة وغيرهم من القيادات السياسية لثورة يوليو 1952، وأنا بالطبع لست ضد مناقشة أفكار رجال ونساء السياسة؛ لأن الفكر والسياسة والثقافة والأخلاق والاقتصاد وغيرها كلها متشابكة، ويجب أن تكون متشابكة نظريا وفكريا واجتماعيا، فالواقع اليومي المعاش يؤكد تشابكها وتلاحمها.

ولكني ضد تركيز الأضواء أو معظم الأضواء على أصحاب السلطة السياسية، واعتبارهم قادة الفكر والفلاسفة، على حين نهيل تراب النسيان على المفكرين الحقيقيين من الرجال والنساء، الذين زهدوا في السلطة من أجل التعمق في الفكر والفلسفة.

Bog aan la aqoon