202

Jabinta Xuduudaha

كسر الحدود

Noocyada

حين تواجه الحكومة هذه الأزمات فهي لا تستخدم إلا الرصاص والهراوات والقنابل المسيلة للدموع، أي الوسائل الأمنية، ولا يسقط إلا الضحايا الأبرياء، الذين ليسوا في الحكومة ولا في أحزاب المعارضة، ولا من النخب المثقفة، ولا من دعاة التكفير والاغتيال، ولا من المستقلين، بل تراق دماء الصغار الأبرياء، ومنهم أطفال وبنات لم يقرأن الرواية.

ألا يتكرر هذا الكلام في كل أزمة مرت بنا منذ ولدنا وحتى نموت؟ والوجوه التي تتصدر دائما هي الوجوه، نراها على الشاشة والمجلات والصحف حكومية وغير حكومية؟! ربما تتغير مناصبها العليا من حين إلى حين، أو تتغير شعاراتها ومقاعدها مع تغير اللحن الموسيقي، من الحكومة والمعارضة إلى اللاحكومة أو اللامعارضة! يمسكون العصا دائما من المنتصف ولا نعرف موقفهم في وضوح، ونراهم في كل مكان بارز تحت الأضواء، سواء في المجالس الحكومية أو الشعبية أو القومية العليا، سواء كانت مجالس تخص الديمقراطية أو التنمية أو المرأة أو الشباب أو حقوق الإنسان! تصدر قرارات التعيين فيها بقرار حكومي في أغلب الأحيان.

منذ أيام قليلة، بالضبط يوم 24 مارس 2000 جاءني خطاب رسمي مسجل من وزارة الشئون الاجتماعية ترفض تسجيل جمعية النهضة الفكرية للمرأة المصرية، لماذا؟ لأن المقر لا يصلح! المقر به كمبيوتر وفاكس وتليفون ومقاعد للجلوس ونوافذ على الهواء الطلق والسماء، لم يذكر الخطاب الرسمي لماذا لا يصلح المقر، إلا أننا سمعنا شفاهة أن المقر ليس به مدخل مستقل عن صاحبة البيت وهي عضوة بالجمعية!

كانت الحكومة المصرية منذ سبعة وسبعين سنة أكثر تقدما منها اليوم، فيما يخص النهوض بالمرأة، وفي منزل هدى شعراوي عام 1923 تكون الاتحاد النسائي المصري، وفي منزلها ذاته الواقع في شارع قصر النيل رقم 2، وفي الساعة الخامسة مساء يوم الجمعة 16 مارس 1923، تشكلت لجنة دائمة من النساء بلغ عدد عضواتها 24 امرأة، انتخبن مجموعة منهن لحضور المؤتمر النسائي الدولي في روما، وعلى رأسهن صاحبة المنزل (راجعوا جريدة الأهرام الصادرة في 11 مايو 2000 صفحة 7).

واليوم كيف تتخبط الحكومة هكذا؟ وهل ننسى الهجوم الضاري الذي شنته وزارة الشئون الاجتماعية خلال العام الماضي (1999) ضد تكوين الاتحاد النسائي المصري، والذي تشكلت من أجل تكوينه لجنة تحضيرية تزيد عن المائة عضوة وعضو، وكانت وزيرة الشئون الاجتماعية (حينئذ) قد سمحت للفكرة منذ بدايتها، وأمدت اللجنة بقائمة الجمعيات النسائية في مصر التي يمكن أن تنضم إلى هذا الاتحاد النسائي المصري؟!

ربما يكون هذا التخبط هو حال الحكومات في معظم بلاد العالم، إن طبيعة تكوين الحكومات من الموظفين المطيعين أساسا لا تؤهلها للقيام بعمل خلاق أو جديد، يقتضي إعمال العقل المستقل عن عقول الرؤساء أو أصحاب السلطة والنفوذ.

إن المشكلة الحقيقية في هؤلاء النخب المثقفة الذين يتخبطون مع الحكومة، ويحملون لقب مفكرين أو مثقفين - رغم أن معظمهم ليس له فكر مستقل أو رؤية فلسفية أو ثقافة أو موقف نابع من الاقتناع الحقيقي، وليس الولاء لحكومة ما أو حزب أو فرد.

نحن نعيش هذه المأساة على الدوام، تتكرر في كل عهد منذ الملكية القديمة حتى الجمهورية الحديثة، ولا يروح ضحيتها إلا الأبرياء من الشباب أو الشابات، على حين يتألق الكهول من النخب المثقفة ويزدهرون، وتطاردنا صورهم الليل والنهار، وأصواتهم تعلو وتعلو مع الأزمات.

القاهرة 11 مايو 2000

عن استراتيجية الثقافة والإبداع

Bog aan la aqoon