فلا بد من معرفة كيفية ذلك الاستدلال وضوابطه وشرائطه.
[الحاجة إلى الاستدلال]
وأما وجه الحاجة إليه، فقد عرفت وجوب التكليف في الحكمة في علم الكلام، وأن الحق سبحانه لا بد في حكمته وعنايته بخلقة، أن يؤدبهم بالأوامر والنواهي التي يعلم أن بها صلاحهم، في امور المعاش والمعاد، ليتم لهم به السعادة، ويحصل لهم الكمال الموجب للزلفى، والقرب من معبودهم ومالكهم.
ولما كان تعالى وتقدس في غاية التجرد، وكانوا في غاية التعلق، حصل بينهما بون كثير، به تحققت المباينة الكلية بين حال المفيد والمستفيد، فاستحالت استفادة الكمال لهم من الذات السبحانية بغير متوسط، فاحتيج في تحصيل تلك الأوامر والنواهي، ووصولها من الحق سبحانه إلى الاشخاص البشرية إلى ذلك المتوسط، الذي له قدرة على الاستفادة من الذات السبحانية، بطهارة نفسه الملكية، وعلى الإفادة لبني نوعه، لمشاركته لهم في الإنسانية، وذلك هو النبي (صلى الله عليه وآله).
فلا بد في الحكمة من إيجاده وبعثته بالأوامر والنواهي إلى الخلق، ليصلوا إلى الكمال بواسطة تعليمه.
ولا بد من نصب ما يدل على معرفته، وتمييزه عن بني نوعه بالآيات القاهرة والدلالات الظاهرة، ليتم به كمال معرفته، ويقبل القلوب بالانقياد إلى أوامره ونواهيه، وكل هذا تقدر في علم الكلام (1).
(1) وللوقوف على حقيقة الأمر راجع المصنفات في هذا المجال، كتجريد الاعتقاد للخواجة نصير الدين الطوسي ص 215- 217، بتحقيق محمد جواد الجلالي، وشرحه المسمى بكشف المراد للعلامة الحلي ص 354- 360 تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي، والتحفة الكلامية للمؤلف: ص 18 (مخطوط)، وزاد المسافرين في اصول الدين للمؤلف أيضا: ص 45. بتحقيقنا.
Bogga 54