واعلم رحمك الله أن كلامه وما يأتي من أمثاله من السلفة في معاداة أهل البدع والضلالة ضلالة لا تخرج عن الملة، لكنهم شددوا في ذلك وحذروا منه لأمرين:
الأول: غلظ البدعة في الدين في نفسها، فهي عندهم أجل من الكبائر، ويعاملون أهلها بأغلظ مما يعاملون أهل الكبائر، كما تجد في قلوب الناس اليوم أن الرافضي عندهم ولو كان عالمًا عابدًا أبغض وأشد ذنبًا من السني المجاهر بالكبائر.
والأمر الثاني: أن البدعة تجر إلى الردة الصريحة، كما وجد في كثير من أهل البدع.
فمثال البدعة التي شددوا فيها مثل تشديد النبي ﷺ فيمن عَبَدَ الله عند قبر رجل صالح، خوفًا مما وقع من الشرك الذي يصير به المسلم مرتدًا.
فمن فهم هذا فهم الفرق بين البدع وبين ما نحن فيه من الكلام في الردة ومجاهدة أهلها، والنفاق الأكبر، ومجاهدة أهله، وهذا هو الذي نزل فيه الآيات المحكمات مثل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ [المائدة: ٥٤] وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ﴾ [التوبة: ٧٣-٧٤] .
1 / 37