يسبقه الغير أو لا يسبقه الغير فالأول هو الحادث والثاني هو القديم وقد يقال أن القديم هو الذي لا يسبقه العدم والحادث هو الذي يسبقه العدم.
قال: والسبق ومقابلاه إما بالعلية أو بالطبع أو بالزمان أو بالرتبة الحسية أو العقلية أو بالشرف أو بالذات والحصر استقرائي.
أقول: لما ذكر أن القديم هو الذي لا يسبقه الغير أو العدم على اختلاف التفسيرين والمحدث هو الذي يسبقه الغير أو العدم وجب عليه أن يبين أقسام التقدم والسبق ومقابليه أعني التأخر والمعية وقد ذكر الحكماء أن أقسام التقدم خمسة (الأول) التقديم بالعلية وهو كتقدم حركة الإصبع على حركة الخاتم فإنه لولا حركة اليد لم تحصل حركة الخاتم فهذا الترتيب العقلي هو التقدم بالعلية (الثاني) التقدم بالطبع وهو أن المتقدم له حظ في التأثير في المتأخر ولا يكون هو كمال المؤثر وهو كتقدم الواحد على الاثنين والفرق بينه وبين الأول أن المتقدم هناك كان كافيا في وجود المتأخر والمتقدم هنا لا يكفي في وجود المتأخر (الثالث) التقدم بالزمان وهو أن يكون المتقدم موجودا في زمان متقدم على زمان المتأخر كالأب والابن (الرابع) التقدم بالرتبة وهي إما حسية كتقدم الإمام على المأموم أو عقلية كتقدم الجنس عن النوع إن جعل المبدء الأعم (الخامس) التقدم بالشرف كتقدم العالم على المتعلم وكذا أصناف التأخر والمعية ثم المتكلمون زادوا قسما آخر للتقدم وسموه التقدم الذاتي وتمثلوا فيه بتقدم الأمس على اليوم فإنه ليس تقدما بالعلية ولا بالطبع ولا بالزمان وإلا لاحتاج الزمان إلى زمان آخر وتسلسل وظاهر أنه ليس بالرتبة ولا بالشرف فهو خارج عن هذه الأقسام وهذا الحصر استقرائي لا برهاني إذ لم يقم برهان على انحصار التقدم في هذه الأنواع والقسمة إنما تنحصر إذا ترددت بين النفي والإثبات.
Bogga 49