وبحث الأشعرية مع المعتزلة أن العقل يدرك الحسن والقبيح لكن يلزم ألا يكون وجوب الشكر عقليا فان العقل إذا خلي ونفسه لم يدرك فيه الحسن لأن المصلحة التي اشتمل عليها الشكر إما راجعة إلى المشكور وذلك باطل لغنى الله تعالى عن العبادة والشكر، ولعدم احتياجه، وهو الغني على الإطلاق، وإما إلى الشاكر والنعمة الواصلة إلى الشكر حقيرة عند الله تعالى كما جاء الحديث «إن الدنيا كلها لا تساوي عند الله جناح بعوضة»، وأنه ضرب لها مثلا بما يخرج ابن آدم من العذرة وأنها كذراع خنزير منتن بال عليه كلب في يد مجذوم، وربما كان الشكر عليها ذما كما لو <1/ 29> أعطاك الحاكم فلسا ومدحته به عند الناس فان المدح به ازدراء بالحاكم، فلولا أن الشرع أوجب الشكر عليها لم يجب، ويجاب بأن الشكر ليس على نعم الدنيا فقط بل عليها وعلى الآخرة والدين، وبأن أدنى شيء من النعيم ليس حقيرا بل جليلا؛ لأن خالقه الله تعالى، وأنا لا نستغني عنه لو منعه الله تعالى بلا تعويض بمثله وتعويض ما فوقه. وفائدة الشكر عائدة إلى الشاكر دنيا وأخرى وفي إحداهما وإنما حقارة الدنيا وذلك الحقير المجازى به منها حقيران عند الله تعالى بالنظر إلى دينه ونعمه الأخروية وأما بالنظر إلينا فهما عظيمان عنده، أوجب علينا تعظيمهما من حيث إنهما نعمة من الله تعالى ونهانا أن نحتقر القليل منها.
Bogga 27