Kaniisada Antakiya
كنيسة مدينة الله أنطاكية العظمى (الجزء الأول): ٣٤–٦٣٤م
Noocyada
8
الغنوسية
وأثر الغنوسية ظاهر في هذه التعاليم كلها، واللفظ اليوناني غنوسيس
Gnosis
معناه: المعرفة أو الحكمة، والغنوسية محاولة فلسفية دينية لتفسير الشر والخلاص منه، والغنوسيون قالوا بإله أعلى لا يدرك صدرت عنه أرواح سموها أيونات وأراكنة، وأن هذه صدرت زوجا فزوجا ذكرا وأنثى، فتضاءلت في الألوهية كلما ابتعدت عن مصدرها الإله الأعلى. وقالوا إن أحد هذه الأراكنة أراد أن يرتفع إلى مقام الإله الأعلى، فطرد من العالم المعقول، ثم أضافوا أنه صدر عن هذا الأركون الخاطئ أرواح شريرة مثله، وصدر العالم المحسوس الذي لم يكن ليوجد لولا الخطيئة؛ فهو والحالة هذه عالم شر ونقص بصانعه وبالمادة المصنوع منها. وقالوا أيضا إن هذا الأركون الخاطئ حبس النفوس البشرية في أجسامها فكون الإنسان، وإن هذه النفوس تتوق إلى الخلاص، وإن الناجين قليل؛ لأن الناس طوائف ثلاث متمايزة: طائفة أولى تشمل الروحيين الذين هم من أصل إلهي، وهم الغنوسيون صفوة البشر؛ وطائفة ثانية تتألف من الماديين، الذين لا يمكنهم الصعود فوق العالم السفلي؛ وطائفة ثالثة تجمع الحيوانيين الذي قدر لهم الارتفاع والسقوط، النجاة والهلاك. واختلفوا في وسيلة النجاة؛ فمنهم من قهر الجسم وطرح كل ما يثقل النفس ويمنعها من الوصول إلى المقر الذي هبطت منه، ومنهم من قال بدناءة الجسم فأطلق العنان للشهوة. وعظموا الفراغ بين الإله الأعلى والعالم، وخشوا استحالة رجوع النفوس إلى هذا الإله، فقالوا بأيونات تصدر عن الإله الأعلى، ووجدوا فيها سلسلة من الوسطاء بين الأنفس والإله الأعلى، فإذا ما حاولت الأنفس الاجتياز من عالمها السفلي إلى العلوي، قالت «كلمة السر» لكل أيون تصادفه وتحولت إلى صورته. وكان القول بالوسطاء شائعا؛ فسماهم البعض مثلا أخذا عن الأفلاطونية، ودعاهم البعض الآخر «كلمات»
Logos ؛ أي القوى الطبيعية الكبرى بموجب الفلسفة الرواقية، وسماهم فيلون اليهودي «الملائكة»، وغيره عبر عنهم ب «الجن».
9
النصارى المتهودون
وهكذا فإن الرسل والتلاميذ والأساقفة الأولين عانوا مشقة شديدة في مكافحة هذه البدع والصمود في وجهها؛ كي لا تتسرب إلى أوساط المؤمنين الأولين، ولكن المشقة الكبرى جاءت من بعض فرق النصارى المتهودين؛ فإن بعض المسيحيين الأولين لم يذعنوا لقرارات مجمع السنة 43-44، ولم يباركوا عمل بولس الرسول وأتباعه في التبشير بين الأمم، والغريب المستغرب أنهم لم يقفوا عند هذا الحد من الاختلاف، بل تأثروا ببولس العظيم في آسية الصغرى وبلاد اليونان، مبينين خطأ الرسول، موجبين الاختتان وحفظ السبت وما شاكل ذلك من فرائض الناموس، وعظم أمرهم فخشي بولس سوء العاقبة؛ فرد على هؤلاء برسائل ست بعث بها إلى كنائس معينة، فلاقت رواجا كبيرا؛ فقد جاء في رسالته الأولى إلى أهل كورينثوس: «أدعي أحد وهو مختون فلا يعد إلى القلف، أدعي أحد وهو في القلف فلا يختتن، ليس الختان بشيء ولا القلف بشيء، بل حفظ وصايا الله، فليستمر كل واحد على الدعوة التي دعي فيها، أدعيت وأنت عبد فلا يهمك ذلك، ولكن إن أمكنك أن تنال الحرية فالأحرى أن تغتنمها؛ لأنه من دعي في الرب وهو عبد فهو معتق للرب، وكذلك من دعي وهو حر فهو عبد للمسيح، قد اشتريتم بثمن فلا تصيروا عبيدا للناس.»
10
Bog aan la aqoon