ويأكلون من النذور والمنذور وما يؤتى به إلى قبورهم ما يدخلون به في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ يعرضون بأنفسهم ويمنعون غيرهم، إذ التابع لهم يعتقد أن هذا هو سبيل الله ودينه، فيمتنع بسبب ذلك من الدين الحق الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه، والله تعالى لم يذكر في كتابه المشاهد، بل ذكر المساجد وأنها خالصة له، قال تعالى: ﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ﴾ الآية. وقال تعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ الآية. وقال تعالى: ﴿وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ﴾ الآية. ولم يذكر بيوت الشرك كبيوت الأصنام والمشاهد، ولا ذكر بيوت النار، لأن الصوامع والبيع لأهل الكتاب، فالممدوح من ذلك ما كان مبنيا فبل النسخ والتبديل، كما أثنى على اليهود والنصارى والصابئين الذين كانوا قبل النسخ والتبديل يؤمنون بالله واليوم الآخر ويعملون الصالحات. فبيوت الأوثان وبيوت النيران وبيوت الكواكب وبيوت المقابر لم يمدح الله شيئا منها ولم يذكر ذلك إلا في قصة من لعنهم النبي ﷺ قال تعالى: ﴿قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا﴾ فهؤلاء الذين اتخذوا مسجدا على أهل الكهف كانوا من النصارى الذين لعنهم النبي ﷺ حيث قال: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" - وفي رواية - "والصالحين" ودعاء المقبورين من أعظم الوسائل إلى ذلك. وقد قدم بعض شيوخ المشرق وتكلم معي في هذا، فبينت له فساد هذا، فقال: أليس قد قال النبي ﷺ: "إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور"؟ فقلت: هذا مكذوب باتفاق أهل العلم، لم يروه عن النبي ﷺ أحد من علماء الحديث. وبسبب هذا وأمثاله ظهر مصداق قول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: "لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه" قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: "فمن؟ ". وهؤلاء الغلاة المشركون إذا حصل لأحدهم مطلوبه ولو من كافر لم يقبل على الرسول، بل يطلب حاجته من حيث يظن أنها تفضي، فتارة يذهب إلى ما
1 / 359