وأخذ حمزة ينصت إليها ويكتب في ورقة اسمه وحضرة المحترم وفوزية وأشياء من هذا القبيل، ويحسن في خطه وأحيانا يرسم دوائر وزهور، وكان ينصت ووجهه إلى الورقة، ورفع مرة بصره إليها، كان الضوء في الحجرة يأتي من النجفة قويا باهرا، ويتكفل الكريستال المدلى ببعث الحياة فيه وإعطائه ألوان طيف جذابة تبرق وتختلط بدخان سيجارته الذي كان قد تجمع وانعقد حول البلور وعشش بينه، وأحال النجفة إلى خميلة ذات زهور وأكمام يلفها ضباب صبح ندي.
وكانت فوزية جالسة قبالته على طرف الفوتيل تتحدث وتنفعل لكل كلمة تقولها وتكاد تقوم وتقعد، وقد استدارت إليه بوجهها الذي أشاع فيه التعب حمرة وأشاعت القهوة في الحمرة حياة، وبشفتيها الصغيرتين المكتنزتين، ويديها ذواتي الأصابع النحيلة الطويلة التي تنتهي بأظافر من ورق الورد.
واكتشف حمزة من نظرته تلك أن فوزية أنثى وأنثى جميلة، نادرة الجمال.
وسكتت فوزية فجأة وضيقت عينيها وزمت شفتيها، ثم قالت بلهجة تقريع: أنت سرحت واللا إيه؟
فأجاب بسرعة وهو يعود من جولته: أبدا أبدا، أصلي كنت بافكر في حاجة كده. - طيب أقدر أكمل؟ - طبعا طبعا، أيوة، كنا وصلنا لفين؟
ومضت لحظة وهي ساكتة ثم قالت في مزيج من اللوم والعتاب: كنت بقول إن بهية دي واحدة من أحسن العناصر اللي في المدرسة وإنها ...
واستأنفت كلامها والعتب لم يغادر نبراتها بعد، وعيناها لا تتركان عينيه، وتقول له بمعدل مرة في الدقيقة: معايا؟
فيرد في التو: معاكي.
إلى أن قالت: فإيه رأيك بقى؟
واعتدل حمزة وبدا عليه الجد، بل حتى كلامه خرج جادا فيه ثقة مطمئنة وإصرار زائد وكأنه قد أصبح شخصا آخر. - خليكي على اتصال دائم بيهم، فهمهيم إن المعركة لم تنته، فهميهم إن الشعب يستعد لانقضاض أشد وأقوى، الظروف اللي بنمر بيها ظروف طارئة، نكسة لا أكثر ولا أقل، إنما الغليان مستمر، دي حاجة، والحاجة التانية من كلامك فهمت إن فايزة عندها مشكلة، وأفتكر إن أحسن حل لها ...
Bog aan la aqoon