هكذا نرى أن القواعد البحرية العسكرية تتأثر بتغير الاستراتيجية العسكرية وتغير تكنولوجية السفن الحربية وقوتها الضاربة، بالإضافة إلى الأحداث السياسية، وكل هذه التغيرات تؤدي إلى مزيد من التركيز في عدد الموانئ الحربية بالنسبة للصراع العالمي؛ ومن ثم فإن أهمية جبل طارق أو مالطة أو عدن أو سنغافورة قد أصبحت متضائلة في مقابل التركيز على نابولي أو بيريه مثلا. ولا شك أن الغواصات الذرية الصاروخية - بقدرتها على البقاء تحت الماء وقتا طويلا، بالإضافة إلى مدى صواريخها الطويل - قد أدت أيضا إلى مزيد من التضاؤل في أهمية الموانئ الحربية.
ومع ذلك فإن الموانئ الحربية المعروفة ما زال لها أهمية محلية بالنسبة للحروب المحلية أو المحدودة وبالنسبة للدولة الواحدة؛ لأن لكل دولة احتياجا حيويا إلى قاعدة أو قواعد بحرية يرسو فيها أسطولها الوطني. ومن أهم الأمثلة على ذلك طولون وبرست بالنسبة لفرنسا.
ولا شك في أن حجم التجارة الذي تتعامل فيه الموانئ الحربية كان بصفة دائمة حجما صغيرا؛ فالغالب أنه يوجد إلى جانب الميناء العسكري أو قريبا منه ميناء تجاري هام، فمرسيليا لا تبعد كثيرا عن طولون، وسوثهامبتون مجاورة لميناء بورتسموث الحربي، وكيل بالقرب من فلهامسهافن. لكن هناك موانئ عسكرية وهي في الوقت نفسه ذات أهمية في التجارة مثل نابولي بالنسبة لجنوب إيطاليا، وبرست التي تزورها سفن شحن كبيرة، وبليموث كميناء للركاب والتجارة الساحلية في جنوب بريطانيا، وشربورج كميناء ركاب لخطوط الملاحة عبر الأطلنطي، وفي مثل هذه الموانئ المزدوجة الوظيفة نجد القاعدة البحرية منفصلة عن ميناء الشحن أو الركاب حسب شكل الميناء، فخليج سان فرانسسكو هو من الاتساع بحيث يمكن الفصل التام بين الميناء الحربي والميناء المدني، بينما لا يتسع الأمر لذلك الفصل الواضح في ميناء سان ديجو القريب من لوس أنجيلوس، ويتسع خليج طوكيو للفصل بين ميناء حربي عند يوكوسوكا بعيدا عن يوكوهاما. وكذلك يتسع بحر اليابان الداخلي لإنشاء ميناء حربي عند كوري
Kure
بالقرب من ميناء هيروشيما.
وعلى وجه العموم، فإن الميناء الحربي يختلف باحتياجاته عن الميناء المدني؛ ومن ثم فإن الموانئ الحربية الرئيسية في غالب الأحيان بعيدة بعدا معقولا عن الموانئ التجارية. (ب) موانئ الصيد
هناك عدد من الموانئ التي ترتبط منذ بضعة قرون أو أكثر بعمليات صيد الأسماك البحرية؛ مثال ذلك موانئ الهانزا القديمة على بحر الشمال، وموانئ شرق بريطانيا، هما يرتبطان بالصيد في منطقة شطوط الدوجر في وسط هذا البحر، وميناء سان مالو في نيوفوندلاند المرتبط بالصيد البحري في منطقة مصب السنت لورنس ومنطقة التقاء تياري الخليج ولبرداور، ولكن أحيانا تتغير مناطق الصيد الرئيسية نتيجة هجرة نوع السمك السائد في منطقة لأخرى لأسباب غير معلومة، ويؤثر ذلك بشدة على نشاط ميناء الصيد.
ومن أهم الأمثلة في الماضي هجرة سمك الباكلاه من منطقة موانئ الهانزا، وبالتالي تدهور هذه الموانئ وأفول نجمها. وكذلك في العصر الحديث تغير مسار الأسماك في بحر المانش؛ مما أدى إلى هبوط كبير في نشاط ميناء بركسهام الإنجليزي، وانتقال الخبرة ورأس المال في هذه المنطقة إلى موانئ شرق بريطانيا؛ حيث الصيد أوفر في منطقة الدوجر. وكذلك انتقال السردين من أمام شواطئ البرتغال في الخمسينيات من هذا القرن، وظهوره أمام شواطئ المغرب ومنطقة جزر الكناريا، وعلى نطاق محلي اختفى السردين من ساحل الدلتا المصرية في خلال السنوات العشر الأخيرة، وظهر محله الجمبري (القريدس).
وعلى المنوال نفسه قل سمك السلمون بدرجة ملحوظة في خلجان ومصبات الأنهار في غرب كندا بعد أن كانت منطقة ذات شهرة عالية لفترة طويلة. وقد ظهر السلمون بكثرة في الشواطئ الآسيوية المطلة على الباسيفيكي الشمالي، وخاصة شواطئ كمتشكا، وبالمثل تغيرت موانئ صيد الحيتان في شمال أوروبا وأمريكا واتجهت هذه الحرفة إلى موانئ جنوب العالم؛ وذلك لانقراض الحيتان في المياه الشمالية.
وإلى جانب هذه التغيرات التي تطرأ على الموانئ نتيجة هجرة الأسماك أو نتيجة لقلتها (بعد الإكثار من صيدها)، فإن هناك تغيرات أخرى تطرأ على موانئ الصيد نتيجة للتغير الذي حدث في تكنولوجية الصيد وبناء سفن الصيد الحديثة. ومن أهم هذه التغيرات السفن المعروفة باسم
Bog aan la aqoon