ابتسمت ابتسامتها المشرقة وأخفت في مقدرة بادرة الدهشة على وجهها: إذا فهمته. - قال الشاعر القديم:
لا تمدحن ابن عمار إذا نديت
كفاه يوما ولا تذممه إن حرما
فإنها خطرات من وساوسه
يعطي ويمنع لا بخلا ولا كرما - إذن فأنت لا تعرف سببا. - المؤكد أن إبعاده ليس للسرقة أو الرشوة. - كيف عرفت؟ - هذه أسباب تدعو لترقيته لا لرفته. - إذن فأنت تعرف السبب. - أقسم لك أن الذي رفته لا يعرف السبب. الواقع أن بقاء شخص ما مدة طويلة دون نقل أو رفت أمر غير مستحب. أتعرفين التقارير السرية كيف تكتب؟ - ومن أين لي أن أعرف! - إذا أراد الرئيس أن يتخلص من موظف يعمل عنده، كتب في تقريره السري محبوب من مرءوسيه. هذه الكلمات الثلاث كافية لرفت أي موظف. - معقول؟! - الحب عاطفة غير مرغوب فيها هذه الأيام. يجب أن يسود الحقد والدس والوقيعة والقسوة والطغيان والجبروت مع إهدار الكرامة والاعتداء على الأعراض. - نعم أعرف ذلك. - ويجب أن ندافع عن ذلك كله. - أيمن، أنت متألم؟ - لا أبدا، فقط أحس أنني قواد فاشل. - الظاهر أنك لم تستطع بعد أن تصل إلى مرحلة اللامبالاة. - أنا أهرب من نفسي بالجلوس إلى تحية وإلى ابني شهاب وابنتي هديل، تصوري أحسدهم؛ أحسد ثلاثتهم أنهم يفعلون ما يريدون دون أن تعارض نفوسهم ما يقومون به من أعمال.
وتضحك نيمت ويشرق جسدها. - عبد المعين، حكايتك سودا. - ألم تعرفي هذا إلا الآن؟ - دري لم يشعر بأي حرج منذ اللحظة الأولى، طبيعة تكوينه ساعدته على الوظيفة التي كان يتولاها، فحين أبعد عنها أصابته حالة تتراوح بين الذهول والجنون، وأنا وحدي من أتحمل ما يعانيه؛ فالأولاد لا يعنيهم من أمرنا شيء ما دام الذي يريدونه موجود. - والوالد؟ - المشكلة الآن ليست مشكلة فلوس. - آه! فهمت. والمحاماة؟ - يحاول، ولكن في مرارة، يختزن المرارة طول اليوم لتكون طعامنا اليومي. أيمن، هل تستطيع أن تكلم أحدا؟ - أنا؟ - ليس من الضروري أن يعود إلى عمله، ابحث له عن أي عمل يعيد إليه نفسه. - هل تظنين أني أتأخر يا نيمت؟ - أنا أعرف مكانتي عندك. - طبعا. - لا تظن أنني لا أفهم.
أرتج علي. لم يكن هناك شيء لتفهمه، وفي نفس الوقت لم أستطع أن أحطم غرورها؛ فالواضح أنها متأكدة أنني أكن لها شيئا. طال صمتي، تعلقت عيناها بشفتي، والموقف جديد بالنسبة لي، بل أظن أنه جديد بالنسبة للكثيرين، فالمفروض أن يكون مثلي هو البادئ، ويبدو أنها اضطرت للحديث آخر الأمر: أنا أعرف أنك لا تريد أن تقول شيئا.
ورحت أبحث عن شيء يكون مناسبا. أنا لم أفكر مطلقا في نيمت، بل لعلني لم أفكر في أحد منذ تزوجت، بل العجيب أنني كثيرا ما أتساءل لماذا يفكر المتزوج زواجا طبيعيا كزواجي في امرأة أخرى غير زوجته ؟! واستطاعت نيمت أن تفسر بغرورها الحيرة التي بدت في عيني التفسير الذي يرضيها: ما رأيك في شاليه الهرم؟
وفي ذهول وجدت نفسي أقول: هائل. - نلتقي هناك؟
وفي ذهول آخر: ماذا؟ - ما الغريب؟ - ظننتك تسألين عن موقعه.
Bog aan la aqoon