Asalka Falsafadeed ee Dhisnaanshaha
الجذور الفلسفية للبنائية
Noocyada
إن الأمر الذي لا يمكن إنكاره هو أن البنائية أكثر انطباقا على الحالات السكونية للإنسان منها على الحالات المتغيرة . ومن المسلم به أن العلم يغدو أقدر على تحليل موضوعاته حين يجعلها ثابتة أو يتصورها في حالة الثبات. ولكن العلم الذي يتناول الميدان الإنساني بالذات يتعين عليه أن يعترف بالتغير، والحركة، والتاريخ، بوصفها مقولات أساسية لا يمكن الاستغناء عنها في تفسير الظواهر الإنسانية. ومن هنا رأى البعض أن الأحداث التي عصفت بأوروبا في عام 1968م (مظاهرات الطلبة في باريس ثم في معظم البلاد الأوروبية، وأحداث تشيكوسلوفاكيا) قد زعزعت إلى حد بعيد أركان البنائية التي كانت قد بلغت أوج ازدهارها قبل هذه الأحداث بعام أو عامين. فهي قد أكدت مرة أخرى أهمية عوامل الحركة والتغيير، وقدرتها على دفع العقل الإنساني إلى مراجعة كثير من المفاهيم التي يضعها في حالاته السكونية، وشككت الأذهان، من حيث المبدأ، في إمكان وجود أي بناء ثابت لعقل الإنسان وأنظمته.
وفي اعتقادي أن المشكلة الأساسية التي تثيرها البنائية هي: هل الإنسان، بالنسبة إلى النظم التي تسود حياته، فاعل أم مفعول؟ إن أنصار البنائية يغلبون صفة «المفعولية» للإنسان بالنسبة إلى هذه النظم، على حين أن نقادها يغلبون صفة «الفاعلية». ولقد لخص سارتر سمة الفاعلية حين قال: «إن الشيء الهام هو ما يفعله الناس بما فعل بهم.»
L’important ... c’est ce que les homes font de ce qu’on a fait d’eux.
فإذا كانت البنائية تؤكد على الدوام أن البناء «موجود هناك»، بغض النظر عن الاختلافات في ظروف الحياة الإنسانية التي يطبق فيها هذا البناء؛ فإن قدرة الإنسان على القيام برد فعل على هذا البناء، حتى لو كان «موجودا هناك»، هي الأمر الجدير بالاهتمام حقا.
ومن هنا كان الميل الذي نلمسه لدى كثير من البنائيين إلى تصوير الأنساق أو البناءات كما لو كانت تؤثر وتمارس فعلها وحدها، دون أن يكون للإنسان دور فيها، أعني الميل إلى جعل الإنسان «مفعولا»، لا «فاعلا»، يعبر عن نزوع إلى السلبية وقبول الأمر الواقع. ولقد ضرب «دوفرين» للتضاد بين سلبية الإنسان وفاعليته إزاء النسق مثلا طريفا، فقال: إن المشكلة التي ينبغي أن تفكر فيها الفلسفة المعاصرة بإمعان هي كيف استطاعت جبهة التحرير الفييتنامية أن تقاوم الأميركيين بكل هذا النجاح (وهي لم تكن قد انتصرت بعد عندما قال هذا الكلام). فتلك واقعة تثبت انتصار الفاعلية الإنسانية على العقول الإلكترونية التي طالما استعان بها الأميركيون في التخطيط وفي ممارسة الحرب ذاتها. وما العقول الإلكترونية إلا تجسيد «للنسق». وهكذا فإن الأنساق لا تستطيع أن تسير في طريقها بلا مقاومة، ولا تستطيع أن تكبت فاعلية الإنسان وتجعله مجرد مفعول.
وهكذا تظهر الصورة أخيرا، في ضوء تطور التاريخ، مؤيدة لفكرة القدرة الفعالة للإنسان، حتى على أشد الأنساق والبناءات ثباتا. فأحداث عام 1968م تفجر الإطار السكوني للبنائية، وتنبه العالم إلى أهمية رد الفعل الإنساني على كل نسق يبدو ثابتا، وانتصار فيتنام يبدو كما لو كان هزيمة لمبدأ أساسي تقوم عليه البنائية، هو استقلال الأنساق عن الإنسان.
ولكن، إذا كان التاريخ قد بادر إلى الإدلاء بشهادته بعد بلوغ البنائية قمتها مباشرة، فلنذكر - أخيرا - أننا لسنا في حاجة ملحة إلى شهادة التاريخ؛ لكي ندافع عن فاعلية الإنسان إزاء بناءاته. فالمنطق الداخلي للبنائية هو خير شاهد على ما نقول: إذ إن كل البنائيين الكبار من ستروس إلى ألتوسير، ومن فوكو إلى لاكان، قد بذلوا جهدا عقليا لا نظير له، ومارسوا «فاعليتهم» الذهنية إلى أقصى حد؛ لكي «يكتشفوا» بناءات يقولون إنها تجعل ذهن الإنسان «مفعولا»!
ملاحظات
أهم المراجع
Claude Lévy-Strauss:
Bog aan la aqoon