Asalka Falsafadeed ee Dhisnaanshaha
الجذور الفلسفية للبنائية
Noocyada
وهو الكتاب الحاسم والأساسي في المذهب البنائي بأكمله، يؤكد ستروس وجود تضاد أساسي بين الطبيعة والثقافة
Nature et culture
في الإنسان. فليس ثمة إنسان طبيعي، وإنما يكتسب الإنسان طبيعته من خلال ثقافة معينة. وهذا التقابل بين طبيعة الإنسان وثقافته وخضوع طبيعته للعناصر الثقافية، هو الذي يميز الإنسان عن الحيوان، الذي لا يعيش إلا في «الطبيعة»، ولا يحور هذه الطبيعة إلا إذا حور نفسه من حيث هو نوع حيواني. وربما بدا لأول وهلة أن رأي ستروس في هذه المسألة ينطوي على مفارقة؛ إذ إن هدفه الذي لا يمل تكراره هو أنه يريد الوصول إلى الطبيعة الأساسية للذهن البشري. مما يوحي بأن لهذا الذهن تركيبا «طبيعيا» ثابتا. ولكن ستروس يؤكد، من ناحية أخرى، أن طبيعة الإنسان تكمن في خروجه عن الطبيعة. فإذا أردنا أن نبحث في ذلك التركيب الثابت الذي يميز الذهن البشري على نحو شامل، فلنبحث عنه في تلك النظم الثقافية (أي اللا طبيعية) التي انفصل عن الحيوان منذ أن وضعها.
وهذا يعني، بعبارة أخرى، أن ستروس عندما بحث عن المبادئ الكلية للذهن البشري بوجه عام، لم يحاول أن يلتمسها في تكوين طبيعي لم يتدخل فيه الإنسان، وإنما تلقاه على ما هو عليه، بل إنه اهتدى إليها في ذلك التنظيم الثقافي الذي يتحكم به الإنسان في حياته، والذي يعبر مباشرة عما هو أساسي في طريقة تفكيره.
وإذا كان من الشائع النظر إلى الطبيعة التي لم يخلقها الإنسان على أنها هي الأصل، وإلى الثقافة على أنها الفرع أو الناتج، فإن ستروس يقلب الآية، ويرى الثقافة أصلا والطبيعة (في حالة الإنسان بالذات) مشتقة منها. وإذا كان من الشائع أيضا وصف الطبيعة الخام بأنها ثابتة والثقافة بأنها نسبية متغيرة، فإن ستروس يؤكد أن الثقافة هي العنصر الثابت في تكوين الإنسان، ومنها يستمد الإنسان ثبات طبيعته. فمنذ اللحظة التي يحظر فيها زواج المحارم، يكون معنى ذلك ظهور عنصر ثقافي في المجتمع الإنساني (وهو الحظر، أي التنظيم الاجتماعي، والقانون) يشكل الطبيعة، وهي غريزة الجنس، ويتحكم فيها. ففي هذا الحظر والتحريم تتجاوز الطبيعة ذاتها وتبدأ في تكوين بناء جديد، يحل فيه التنظيم المعقد المميز للإنسان، محل العفوية والعشوائية المبسطة التي تميز بناء الحياة الحيوانية.
ولسنا نود أن نستطرد في وصف العلاقة بين الطبيعة والثقافة عند ستروس، بل إن ما قلناه يكفي لإيضاح المسألة التي نريد أن ننبه إليها، وأعني بها وجود نوع من التشابه، ربما لم يتنبه إليه ستروس ولا سارتر بين البنائية والوجودية في هذه النقطة الأساسية؛ ذلك لأن من القضايا الرئيسية في الوجودية، تلك القضية القائلة إن وجود الإنسان سابق لماهيته، أي إن ما يميز الإنسان هو عدم وجود طبيعة ثابتة مميزة له . ومن المؤكد أن هناك تشابها قويا بين تأكيد ستروس أن الإنسان يصنع طبيعته عن طريق الثقافة، وتأكيد سارتر أن الإنسان لا يبني وجوده على ماهية ثابتة، بل يصنع ماهيته من خلال وجوده. وفي كلتا الحالتين تأكيد لحقيقة أساسية، هي أن أهم ما يميز الإنسان هو ما يصنعه الإنسان نفسه، مع فارق هام مستمد من مجال اهتمام كل من المفكرين الكبيرين، هو أن ستروس كان يتحدث عن الإنسان الاجتماعي، على حين أن مدار حديث سارتر كان الإنسان الفردي.
وأخيرا، فإن التضاد بين نزعة التجريد عند البنائيين والنزعة العينية عند الوجوديين يمكن تخفيفه إلى حد غير قليل، إذا أدركنا أن كل طرف يحمل في ثنايا مذهبه شيئا من صفات الطرف الآخر. فلم تكن الكتابات الوجودية في كل الأحوال عينية تنبض بالحياة، كما يشيع وصفها عادة، وإنما كانت في أحيان غير قليلة تتسم بقدر كبير من الجفاف التجريدي، وأوضح مثل على ذلك كتابا سارتر «الوجود والعدم» و«نقد العقل الجدلي»، اللذان كانا يعرضان مضمونا فكريا عينيا من خلال شكل وأسلوب لا يقل في تجريده عن كتابات ستروس.
ومن جهة أخرى ففي وسع المرء أن يجد في كتابات ستروس جانبا من اللمحات الشعرية التي تخفف، من آن لآخر، من غلواء التجريدات المتطرفة. ويظهر ذلك بوضوح حين يتحدث عن الموسيقى ويربط بينها وبين الاسطورة؛ إذ يجد فيهما معا إيقاعات متكررة وتنويعات على ألحان (أو موضوعات) رئيسية. وفضلا عن ذاك فهما تشتركان معا في أن ما يفهمه المرء منهما خاص به إلى حد بعيد، وفي أن من يتلقى الرسالة الموسيقية أو الأسطورية وليس مرسلها، هو الذي يتحكم في معناها. وتثير الموسيقى والأسطورة، من حيث هما أسلوبان ثقافيان، استجابات انفعالية في المخ البشري، يمكن عن طريق تحليلها فهم البناء اللاشعوري للذهن البشري. وبالفعل يكرس ستروس جزءا كبيرا من مجلداته الثلاثة الضخمة التي ألفها بعنوان «أسطوريات
Mythologiques
للكشف عن الآليات المنطقية التي تثير الاستجابات الانفعالية، ويؤكد وجود تواز بين البناء المنطقي والاستجابة الانفعالية، أي بين الجانب الثقافي والطبيعي في الإنسان. ويمجد ستروس الموسيقى في لغة يختفي فيها جفاف تجريداته الرياضية المألوفة؛ فيقول مثلا: «إن الموسيقى هي وحدها، من بين سائر اللغات، التي تتسم بطابع متناقض هو أنها معقولة أو مفهومة، وفي الوقت ذاته غير قابلة للترجمة. وهذه السمات تجعل خالق الموسيقى كائنا أشبه بالآلهة، وتجعل الموسيقى ذاتها السر الأعظم في المعرفة البشرية؛ فكل فروع المعرفة الأخرى تسير في أعقابها، وهي التي تحمل مفتاح تقدمها.
Bog aan la aqoon