فاستغربت حديثه وقلت له: منو مالك؟
فأجاب بلا اكتراث: خازن النار.
قلت: إذن لا بد من جواز سفر حتى في مملكة جهنم.
قال: لا يكون شيء إلا من بعد إذنه.
ورأى ارتباكي وتعسر معرفته علي فأشار بمدراه وقال: إنك لا تفلح، وما في الناس عبقري كشيخ النار.
فعرفته بها وعلمت أنه الجاحظ لا شك فيه، فقمت إليه أصافحه قائلا: أهلا برجل ينوب عن الجحيم بنفسه، ليتك أسقطت عن نفسك هذه المئونة، كنت أمرت فذهبت إليك.
فكركر في الضحك قائلا: كل آت قريب، طرقتك زائرا الليلة وستردها لي، إن بي لشوقا إلى رؤية جهنمكم، وتقبيل وجنتيك.
قلت: أبهاتين الشفتين القرمزيتين الرقيقتين؟
فقال مشيرا إلي: ليس أليق منهما بهذا الجمال الساحر، والشباب الغض، والجسم البض، وكان يعض على الضاد فتخرج من فمه عريضة ضخمة كأنه لم يبرأ من الفالج كل البرء.
وامتد بنا السخر والتهكم والمزاح حتى تجرأت عليه، وقمت أعلق في جيبه منديلا يقي صدره من اللعاب السائل، فضحك وقال: ذاك كان في دنياكم، أو ما تراني غير ما سمعت بي؟ فضحكنا وقعدت استعط، فما رأى علبتي حتى انقض عليها بمخالبه الخمس كأنه يأخذ ملحا لقدر هريسة، ثم غيب العاطوس في أنفه ولم يعطس ولكنه تجلى وفرح، ثم فرك أنفه وقال إن عاطوسنا أفعل من هذا، وستفرح كثيرا يوم تصير إلى جنتنا ذات اللهب، فنظراؤك كثر هناك، إن حققهم الذهبية ملأى من العطوس الروماني، إنه أطيب من هذا.
Bog aan la aqoon