هذه المغزاة أثرت في نفوسهم وبدلت عواطفهم فرضخوا لإشارتي طائعين!
الفلاحون
مزرعة فلنيج، 16 أيار سنة 1801
أحيانا، بعد أن أكون قد تلوت صلاة الصباح أخرج من غرفتي متأبطا كتاب التوراة وأهيم في مجاهل الحقول متصفحا سفر الطبيعة صفحة صفحة، أجل، إن الذي يستطيع أن يقرأ مثلي هذا الكتاب العظيم لا يجب عليه أن يستسلم للملل أو يتظلم من الحياة!
هذا الصباح، دفعتني نفسي إلى التجوال في أعالي القمم فبلغت مرتفع هضبة وعرة تنبسط على سفحها بحيرة جميلة ويحيط بها جليد تكتنفه أشجار الحور والصفصاف! بلغت تلك الهضبة فتراءت لي أغصان الكستنا والأدواح القديمة العهد تجزئ في الفضاء قببها المفرضة كأنما هي جدران برج قديم أعمل الزمن في حجارتها حديده القاطع! رأيت تلك الأدواح تعير السماء زرقة أشد من زرقتها وتنفرج عن سهول واسعة تفيء عليها بظلالها الغضة فتدع الناظر يرى من خلال أغصانها تلك البحيرة الفضية، وقد لاعبت الشمس شعاعها الذهبي على تموجات مياهها، وذلك القارب الصغير ذا الأجنحة البيضاء يجري مع النسمات كما يمر جناح الطائر من غصن إلى غصن، ورأيت الأوراق المرتوية من الليلة الرطبة تتدلى بعذوبة ولطف وتقطر قطرة ما في طياتها من الأنداء المضطربة، فأسندت ظهري إلى بعض الجذوع وجعلت أسرح طرفي في جميع الجهات، فإذا بي أسمع وطء أقدام صاعدة ذلك المرتفع وأصواتا يتخللها عجيج البقر، وبعد برهة قصيرة أبصرت فلاحا جاء يحرث قطعة من الأرض ومعه بقرتان وسكة وبغل يقل امرأته وأولاده، ولما اختمرت مخيلتي بمشاهد الطبيعة أخذت قلما وورقة ودونت ما أملى علي الجمال! •••
جلس الرجل على جذع شجرة تاركا بقرتيه تلهثان ومسح بيده عرق جبينه، بينما كانت امرأته وأولاده يجمعون الدردار ويلقونه أمام البقرتين، وبينما كانتا تجتران بسكون وهدوء كان الظلال ينطوي شيئا فشيئا تحت الشمس الصاعدة ويموت على أقدام الصخور وبين الأشجار. بعد برهة قصيرة نهض الفلاح ووضع النير على عنقي بقرته وأخذ المقبض بيده ثم اتجه إلى طرف الحقل ليفتح الأتلام. •••
أيها العمل، يا سنة العالم المقدسة، كل أمر ينفذ لدى إرادتك! يجب أن ترطب الأرض بعرق الجباه لكي تخصب وتنبت! يجب أن يشق الإنسان أحشاء تلك الأم، حيث تذر الأثمار والزهور، كما يعض الطفل ثدي أمه ليجري الحليب في فمه! •••
هو ذا التراب يتشقق تحت المحراث ويتراكم قطعا قطعا، فتتلوى الديدان والحشرات في أحشائه، وتتفرق الأعشاب والجراثيم هنا وهناك، فيدوسها الفلاح برجله ويغرز محراثه بشدة في الأرض، فيثب التراب من أعمق أعماقها! •••
أيتها الأرض، أنت تحيين وتحيين! لقد كانت أحشاؤك جنة قاحلة، غير أن الطبيعة التي كانت قد أخفت عن عيون الرجل أسرارها ومقدراتها، عادت فكشفتها له تحت أول تلم من أتلامها، عندما تشققت الأرض لأول مرة، وشربت عرق الإنسانية الطاهر، نشرت السماء طياتها وخفقت عروق التراب فأنشدت الملائك المستغربة ثاني معجزة من معجزات الله! •••
عند هذا، نهضت الرجال المسحورة وأوثقت بقرها على العجلات، فتدفقت المدن في مطارح السهول وأقلت المراكب على أجنحتها العظيمة، كما تقل السنونو إلى أعشاشها، قوت الأمم! •••
Bog aan la aqoon