المقدمة
نبهني صديقي الفاضل صاحب مكتبة صادر ومطبعتها الذي نتوسم فيه عمدة لنهضة أدبية في البلاد إلى كتابة مقدمة لروايتي المعربة «جوسلين»؛ إذ لا يجمل بالكاتب أن يقدم على طبع كتاب مترجم بدون أن يذكر كلمة عن مؤلفه، فراجعت إذ ذاك المقدمة أو المقدمتين اللتين وضعهما الشاعر لامرتين لروايته، فرأيت فيهما أجمل ما يخطه قلم وما تمليه نفس، فآثرت أن أجتزئ منهما بعض مقاطع تكون مقدمة لهذا التعريب.
قال لامرتين في مقدمة الطبعة الأولى: «سألت نفسي مرارا: ما هو الموضوع الاجتماعي الذي ينطبق على روح العصر وعاداته ويكون عدة يهيئها الشاعر للمستقبل، فوجدت أنه الإنسانية، والحظوظ، والسبل التي يجب على الروح البشرية أن تسير عليها لتصل إلى مقدراتها ومقاصدها.»
ولكن هذا الموضوع الرحب الذي لا يستطيع كل شاعر بل كل عصر أن يكتب منه أكثر من صفحة واحدة يفتقر أولا إلى من يوجد صيغته ومأساته ورموزه الذاتية.
هذا ما حدثت به نفسي
إذا قيض لي الله أن أنجزه، أو إذا قدرت على الأقل أن أرسم قسما كبيرا من أجزائه قبل موتي لكي يظهر الرسم جليا في تلاحم أجزائه وفي أساليبه وتنوعاته، يحكم القارئ إذ ذاك بما إذا كانت تلك الروح تتضمن بذرة من بذور الحياة ويجيء بعض شعراء غيري هم أعظم وأكمل مني يعززونها بعدي ويستثمرونها خصبة نامية.
العمل متشعب الأطراف، بعيد الحدود. لقد أنجزت عددا غير قليل من أجزائه في أوقات مختلفة، بعضها ألقي في النار لعدم نزولي عند صحته والبعض الآخر باق عندي يحتاج إلى أوقات فراغ ورغبة في العمل لكي يبرز وينشأ، فتشتت الأفكار والسياسة والأسفار وضجيج الحوادث الخارجية أقعدتني مرارا عن إتمامه وستقعدني أيضا في مراحل حياتي، فيجب على الإنسان ألا يقوم بهذه الأعمال إلا في ساعاته الحرة بعد أن يكون قد أدى ما عليه من الواجبات لعائلته ووطنه؛ لأنها من ملاذ الروح والمخيلة فلا يجمل بنا أن نتخذها غذاء لحياة الرجل.
ليس الشاعر كل الرجل كما أن المخيلة والحاسة ليستا كل النفس: ما معنى الرجل الذي يصرف شبابه وشيخوخته في التنقل بين أحلامه الشعرية في حين أن أترابه يجاهدون بكل ما أوتوه من القوى في سبيل الوطن والعمران؟ في حين أن الشعب الراقي يتموج حوله في جهاده المقدس الشريف؟ أليس أحرى به أن يكون مهرجا متفرغا لتسلية الرجال الوقراء وأن يرسل مع العدد بين موسيقيي الفرق العسكرية؟
الفكرة والعمل يقدران وحدهما أن يقوما بالواجب المقدس، هنا الرجل.
لقد اخترت، من بين مشاهد مأساتي الشعرية، مشهدا ينطبق على طبائع العصر وآدابه، لكي أعرضه اليوم أمام الشعب وأستشير رأيه في أسلوبي الشعري الجديد.
Bog aan la aqoon