Jinusayid: Dhulka, Jinsiyadda iyo Taariikhda

Fahmi Sacid Shaykhu d. 1450 AH
100

Jinusayid: Dhulka, Jinsiyadda iyo Taariikhda

جينوسايد: الأرض والعرق والتاريخ

Noocyada

قبيل الغروب خرج السيد «أرنست» من مكتبه، تقدم صوب مايكل بخطوات وئيدة وهو يحمل بعض الماركات النقدية بيده، ابتسم في وجهه وقال: هذه أجرة الأشهر الستة التي قضيتها في خدمتي.

حدق مايكل في عينيه مستغربا، ثم أشار بإصبع السبابة نحو صدره: أجري أنا؟! - نعم يا مايكل، أنت تستحقها، خذها من يدي ستنفعك. - لكن يا سيدي إن أخذتها فسيعاقبني حرس باب المعسكر؛ فهم يفتشونني حين أغادره وحين أعود إليه، سيتهمونني بالسرقة، ولربما أعدم عند الباب، ونحن منذ متى نأخذ أجرا يا سيدي! نحن نخدمكم دون مقابل، مجرد نقلك لي إلى هذا المكان فضل لن أنساه لك طوال حياتي. - خذها، وأنا سوف أوصي الحرس بألا يتم تفتيشك اليوم عند الباب. - هل هنالك أمر خطير يا سيدي؟ معذرة لكن الذي أراه منذ رحيل ويلدا وفاندا والسيدة تريسا هو أن الأمور قد تغيرت كثيرا. - لا توجد خطورة عليكم .. هيا عد إلى المعسكر. «لا توجد خطورة عليكم». كانت الجملة التي تشغل تفكير مايكل طول طريقه إلى المعسكر: «لماذا خصنا نحن؟ ثم من نحن بالتحديد؟ المعتقلون جميعهم؟ أم اليهود فقط؟ ثم ما هي هذه الخطورة أصلا؟»

عندما دخل من باب الثكنة تذكر روبرت فضرب كفا بكف ندما، آه كيف نسيت جلب بعض الأطعمة التي كان يشتهيها روبرت ما دام السيد آرنست أوصى بعدم تفتيشي عند العودة؟! دخل الثكنة وهو يردد: غدا سأجلب له، غدا أفعلها وإن اضطررت للتحدث إلى السيد آرنست عن ذلك. - روبرت، أين أنت؟ - أين أكون أيها الأبله! في غرفة مسئول المعسكر أحتسي القهوة؟!

ضحك مايكل بأعلى صوته، ثم قفز إلى سريره. - انظر، إنها ماركات قد أعطانيها السيد آرنست. - وكيف سمحوا لك بإدخالها إلى هنا؟ - لقد أوصى حراسه بعدم تفتيشي لدى الباب. - وما فائدتها هنا؟! لا تفرق شيئا عن الأوراق العادية ما دمت لا تستطيع بها شراء رغيف خبز. - لا أدري، لكنه قال خذها ستنفعك. روبرت لقد تغيروا كثيرا، لو رأيت أولئك الضباط لما حسبت أنهم يمتون بصلة إلى النازية سوى بزاتهم العسكرية تلك، والصليب المعقوف أعلى قبعاتهم. - لم يحصل شيء، إنك واهم، لربما هؤلاء أدركوا أن عقوبة ما ستطالهم؛ فالمنظومة النازية مهما كانت قاسية معنا فهي أقسى على من يخونها أو يتردد في تنفيذ أوامرها من المنتمين إليها بأضعاف كثيرة. - ربما يكون كما وصفت، لكنه ذكر جملة شغلتني منذ خروجي من منزله «لا توجد خطورة عليكم»، هنالك خطورة قادمة، لكن لم يفصح عنها. - لعلهم سينقلونه من هنا، أو أنه يتعرض لضغوطات من القيادة، نحن لا نعلم ماذا يدور في الكواليس يا صديقي. - إذا كان الأمر كذلك فالسيد آرنست كان مقصده من إعطاء الأجر أن اليوم كان آخر يوم لي عنده. - متوقع جدا. - وأعود للعمل الشاق مرة أخرى؟ لقد اعتاد جسدي على الراحة. - استعد للغد يا صديقي، المعول قد اشتاق إلى قبضتك. - يااه! - هيا ارحل إلى سريرك، أنا متعب ولا أقوى على الكلام بعد.

كانت فكرة العودة إلى الحفر وتكسير الحجارة وحمل المعول من الفجر إلى حين غروب الشمس والمشقة والعناء، هما شغل فكر مايكل وعقله مع شعور بقبضة في القلب لرؤية تلك المساحات الشاسعة اللعينة ومنظر العمال هنا وهناك بملابسهم الرثة وأجسادهم الهزيلة.

وبينما هو في قمة البؤس ويمني النفس أن تطول تلك الليلة قدر البعد بينه وبين الموت، فجأة سمع صوت انفجار قريب هز الثكنة كلها وأيقظ جميع الراقدين على أسرتهم، وتلا الانفجار أصوات طلقات نارية، واكتمل المشهد بتحليق الطائرات فوق المعسكر، تجمعوا قرب الفتحات الهوائية الصغيرة أعلى الجدار في الثكنة يحدقون منها لعلهم يبصرون شيئا يقودهم لفهم ما الذي يجري في الخارج، العربات العسكرية كانت لا تهدأ وهي تصدر أصوات عادمها العالي والطائرات تحلق بشكل منخفض، والمدفعية تطلق الصواريخ، إنها معركة لا محال. أقبل روبرت نحو مايكل وسحبه من وسط الجموع التي تراقب ما يحصل في الخارج. - الآن فهمت مقصد السيد آرنست. - ماذا فهمت؟ - «لا توجد خطورة عليكم»، يقصدنا نحن المعتقلين، الحلفاء قادمون سينقذوننا يا مايكل. - هذا يعني أني غدا لا أحمل المعول اللعين؟

قالها بفرح يغمر وجهه. - هذا الذي يهمك، المعول؟ فعلا إنك أبله، سنكون أحرارا يا أحمق! عن أي معول تتكلم؟! - لا تسبق الأحداث، من قال إن الحلفاء سينتصرون؟ - أنا أقول ما دام حال ضباط النازية كما وصفت، فتلك دليل الهزائم المتكررة .. أرجو من الرب أن يحمينا في هذه الليلة. - مم تخاف؟ - أخشى أن يقوموا بتصفيتنا قبل الانسحاب .. صبرنا كل تلك السنين ونموت قبل أيام أو ساعات من التحرير! أي قدر تعيس هذا إن حصل؟ - لا يهمني البقاء على قيد الحياة بعد الآن، المهم أني رأيت الأيام الأخيرة للنازية.

استمرت المعركة إلى منتصف الليل، الطائرات لم تهدأ في سماء المعسكر، والمدفعية ما لبثت تقصف منذ بدء المعركة وأضواء الانفجارات ترى من بعيد وتضيء المكان لبرهة وتختفي.

بعدها فجأة ساد صمت مخيف سوى طلقات نارية متقطعة، وصوت طنين طائرة يبدو أنها تحلق على ارتفاع عال. ما الذي جرى؟ هل انسحبت النازية من المعسكر؟ أم انتهت المعركة بانتصارهم على المهاجمين ؟ كان كسر الباب والخروج مجازفة كبيرة، والبقاء دون معرفة ما الذي جرى لا يمكن تحمله .. لم ينم أحد تلك الليلة إلى الفجر.

حان وقت مجيء الجنود لسوقهم إلى الطابور المقيت، لكنهم تأخروا على غير عادتهم، زادت الظنون يقينا وبدت البهجة تظهر على وجوه المعتقلين، الالتزام بالوقت من المقدسات النازية الأساسية، تأخرهم يعني وجود أمر مستجد .. لم يأتوا بأية حركة خشية من أنهم ألغوا الخروج للعمل جراء معركة الليلة الماضية، لربما الوضع في المنطقة غير مستقر ويتوقعون هجوما في أي لحظة.

Bog aan la aqoon