Jiniral Yacqub
الجنرال يعقوب والفارس لاسكاريس: ومشروع استقلال مصر في سنة ١٨٠١
Noocyada
وشق عليهم البعد عن وطنهم وبخاصة بعد ما بلغهم من تألب الدول الأوروبية من جديد ضد فرنسا وإرغامها على التخلي عن فتوحها في إيطاليا وغيرها. وحتى مصر نفسها، عرفوا معرفة أكيدة أن السلطان قد اعتزم ألا يتخلى عنها، وأرسل نحوها من ناحيتي البحر والشام جموعا من جنده قد لا تكون قيمتها الحربية مما يأبه له الغربيون ولكنها، ولا بد، لها مع الزمن أثر.
لا بد من تذكر هذه الظروف عند الحكم على الاحتلال الفرنسي. ولا بد إذن من الفصل بين أمرين مختلفين تماما: الحكم الفرنسي كما كان، والحكم الفرنسي كما يمكن أن يكون لو خلص مما انتابه من ظروف الحرب والفتن واتسع له الزمن ليجري على أسس الاستعمار الحديث.
ولا يمكن الشك في أن الفرنسيين لو خلص لهم ملك مصر لحكموها كما ينتظر من حكومة جمهورية قايمة على قواعد الثورة الفرنسية، أتيح لها في عصر بدأ فيه الانقلاب الاقتصادي الكبير أن تحكم قطرا زراعيا خصبا ذا مركز جغرافي فذ كوادي النيل. وأمة عربية إسلامية ذات تاريخ مفعم بعبر الدهر كالأمة المصرية. لو خلص لهم حكم مصر لبذلوا جهدا صادقا في تنمية الموارد بتنظيم الري وضبط النيل. وقد كتب بونابرت في مذكراته فصلا رايعا عن ضبط النيل بإنشاء سدين على فرعيه عند رأس الدلتا.
3
ولو دامت مدتهم في مصر لعملوا كل ما يستطيعون للاستفادة من مركز مصر الجغرافي، ولوصلوا بين البحريين الأبيض والأحمر - وكتاب وصف مصر يشتمل على الدراسات العلمية الأولى لهذا المشروع الخطير.
4
واستعمار مصر كان لا بد أن يؤدي إلى اتساع النفوذ الفرنسي على ساحلي البحر الأحمر وإلى ما وراء سيناء من ناحية فلسطين والشام، وأن يؤدي أيضا للتقدم نحو منابع النيل وجعل مصر المدخل والمخرج لتلك الأرجاء الأفريقية الواسعة وحل اللغز الجغرافي القديم. وقد سجل تاريخ القرن التاسع عشر تحقيق الكثير من هذا على يد محمد علي، مما يدل على أن خطط الحكومات ليست مما يستنبط من بطون الكتب ولا مما تجود به القرايح، إنما هي مما يمليه الواقع الجغرافي ويكرره التاريخ في أدواره المتباينة.
ولو دام الاحتلال الفرنسي لسلك نحو المصريين مسلكا يكون من أثره تحسين كثير من أحوالهم، ثم يعمد بعد هذا التحسين إلى إبطال النمو - أو إلى إبطاله في بعض النواحي وتوجيهه في الاتجاه الذي يريد. ولم يكن بد من اهتمام الفرنسيين بهذا التحسين الأبتر بحكم الإنسانية المشتركة وبحكم منفعتهم: يقاوم الأوبية بإنشاء المستشفيات وما تستلزمه من مدارس الطب والمحاجر الصحية حفظا للقوى العاملة في الإنتاج الزراعي الذي يغذي الخزانة العامة ويمون التجارة، ومنعا لانتقال المرض إلى الفرنسيين. يصلح الأداة الحكومية وينوع الإدارات صيانة للأمن وضبطا للأموال العامة. ويستلزم هذا إصلاح نظام الجباية ونظام الضرايب. ويتبعه إلغاء الالتزام، واستقرار ملكية الفلاح للأرض.
5
يفتح الأبواب لرءوس الأموال الفرنسية والنظم التجارية والمعاملات الغربية. ويؤدي هذا لتنظيم القضاء على أساس غربي ولدخول القوانين الغربية. ويعنى بإعداد طايفة من أبناء البلاد تسد حاجة الإدارة من صغار الموظفين. ولو دام الاحتلال الفرنسي لاعتمد بعض الاعتماد في الدفاع عن البلاد على جيش وطني من أبنايها.
Bog aan la aqoon