4
أعولها في سهولة ونجاح كانا مذلة لي تماما. - ولماذا كانت مذلة؟ - ألا تحسين المذلة إن وجدت نفسك تكسبين المال من أرخص أنواع الأدب الزائف البراق؟ لقد نجحت لأني انحدرت إلى المرتبة الثانية التي لم يكن من الممكن علاجها. - وكان من نتيجة ذلك كله هذه اليرقات؟
وهز رأسه إيجابا وقال: لم تكن ديدانا حقيقية، إنما كانت ديدانا وهمية. وهنا ظهرت مولي في الصورة، قابلتها في حفلة لليرقات من الطبقة الراقية. وعرفوني بها، ودار بيننا حديث تافه مهذب عن التصوير اللاهادف. ولما كنت لا أريد أن أرى مزيدا من الديدان لم أنظر إليها. ولكن لا بد أنها كانت تنظر إلي. ثم أضاف قوله: وبهذه المناسبة مولي لها عينان زرقاوان رماديتان شاحبتان، عينان ترى بهما كل شيء؛ وكانت شديدة الملاحظة بدرجة لا تصدق، ولكنها تلاحظ بغير حقد أو مراقبة أو محاسبة؛ إذا رأت شرا لا تدينه قط، وتكتفي بالأسف الشديد على الشخص الذي أرغمته الظروف لكي يبوح بهذه الآراء أو يفعل ذلك الشيء البغيض. وأعود فأقول إنها لا بد كانت تنظر إلي ونحن نتبادل الحديث؛ لأنها سألتني بغتة لماذا أنا في حزن شديد. وكنت قد تناولت كأسين من الشراب ولم أر في طريقة سؤالها وقاحة أو تهجما؛ لذلك حدثتها عن الديدان، واختتمت حديثي عنها بقولي، وأنت واحدة منها. ثم نظرت إليها لأول مرة، دودة لها عينان زرقاوان ووجه كأنه لإحدى أولئك النسوة المقدسات اللائي يظهرن أثناء حفلات الصلب في فلمنك. - وهل أشبعت بذلك غرورها؟ - أظن ذلك. وكانت قد تخلت عن المذهب الكاثوليكي ولكنها ما زالت تميل إلى مثل هذه الحفلات وإلى النسوة المقدسات. على كل حال، في اليوم التالي طلبتني بالتليفون صباحا وقت الإفطار، وسألتني هل أحب أن أخرج معها في نزهة بالعربة في الريف؟ وكان يوم الأحد، وبمعجزة من السماء كان الجو لطيفا في ذلك اليوم. فقبلت الدعوة، وقضينا ساعة في أيكة من شجر البندق، نقطف زهر الربيع وننظر إلى شقائق النعمان الصغيرة البيضاء؛ لأن شقائق النعمان لا تقطف فهي تذبل في غضون ساعة واحدة، وأنعمت النظر في أيكة البندق؛ أنظر إلى الزهور بالعين العارية، ثم أنظر إليها من خلال منظار مكبر كانت مولي قد أحضرته معها. وكان في ذلك علاج نفسي غير عادي لست أدري له سببا؛ مجرد النظر إلى قلوب زهور الربيع وشقائق النعمان. ولم أعد أرى ديدانا بقية النهار، غير أن شارع فليت كان بانتظاري. وما إن حل موعد الغداء يوم الاثنين حتى كان المكان يعج بها كما هي الحال دائما؛ ملايين اليرقات، ولكني الآن أعلم ما أصنع بها. وفي ذلك المساء ذهبت إلى مرسم مولي. - هل هي مصورة؟ - لم تكن مصورة حقيقية. وكانت تدرك ذلك، أدركته ولكنها لم تمتعض له، واكتفت بأن تستغل افتقارها إلى الموهبة. إنها لم تصور من أجل الفن، إنما كانت تصور لأنها تحب أن تنظر إلى الأشياء، وتحب أن تحاول أن تنقل بكل دقة ما تقع عليه عيناها. وفي ذلك المساء أعطتني لوحة وفرجونا، وطلبت إلي أن أفعل فعلها. - وهل أفلحت؟ - أفلحت إلى حد بعيد، حتى إني بعد انقضاء شهرين قطعت تفاحة فاسدة فلم أجد الدودة التي كانت بداخلها على شكل يرقة؛ أعني من الناحية الذاتية. أما موضوعيا فقد كانت كذلك. كانت تتميز بكل صفات اليرقة. وهكذا صورها كلانا؛ لأننا كنا دائما نصور نفس الأشياء في نفس الوقت. - وماذا عن الديدان الأخرى، الديدان الوهمية خارج التفاحة؟ - إنني ما زلت أنتكس وبخاصة في شارع فليت وفي حفلات الكوكتيل. ولكن الديدان قل عددها بالتأكيد، وخفت مطاردتها يقينا. وفي تلك الأثناء كان يحدث في المرسم شيء جديد. كنت أحب؛ أحب لأن الحب معد وكانت مولي تحبني بدرجة ملحوظة؛ لماذا؟ الله وحده يعلم.
ورمقته سوزيلا بعينها لتسبر غوره، ثم ابتسمت وقالت: هناك عدة أسباب ممكنة، ربما أحبتك لأنك ... ماذا أقول؟
لأنك شخص جذاب.
وضحك وهو يقول: أشكرك على هذا الإطراء الجميل.
وواصلت سوزيلا حديثها قائلة: ومن ناحية أخرى (ولم يكن هذا الكلام على سبيل الإطراء) إنها ربما أحبتك لأنك حملتها على أن تشعر بالأسف الشديد عليك. - أخشى أن تكون هذه هي الحقيقة؛ لأن مولي ولدت «أختا للرحمة». - وليست «أخت الرحمة» لسوء الحظ «كزوجة للحب».
قال: وذلك ما تبينته في حينه. - بعد زواجكما فيما أظن.
وبعد لحظة من التردد قال ويل: بل قبل ذلك في الواقع؛ لا لأن الرغبة كان تلح عليها، ولكن لأنها كانت حريصة على أن تفعل أي شيء لتسرني؛ لأنها - من حيث المبدأ - لم تعتقد في التقاليد وكانت تميل كل الميل نحو الحب المتحرر. وتذكر الأشياء الفاضحة التي كانت تعبر عنها عرضا وفي هدوء تام حتى مع وجود أمه. ثم أضاف: وأعجب من ذلك أنها كانت تميل إلى الحديث المتحرر عن هذه الحرية.
وأوجزت سوزيلا في العبارة حين قالت: عرفت ذلك من قبل ومع ذلك تزوجتها؟!
Bog aan la aqoon