Jawhar Insaniyya
جوهر الإنسانية: سعي لا ينتهي وحراك لا يتوقف
Noocyada
لم يشرح كثيرون أهمية الرؤية لسيطرة الإنسان على أشكال الحياة الأخرى بوضوح مثل جون ويندهام في رواية الخيال العلمي «يوم نباتات التجارب».
14
تمر كرة لهب كبيرة من الفضاء الخارجي بجوار الأرض، فيعمي ضوءها الجميع على الفور، ومع فقدان الناس لقدرتهم على الرؤية فقدوا تفوقهم على النباتات الضارة، وتمثل أحد هذه النباتات في نسخة عملاقة آكلة للبشر من نبات مصيدة فينوس؛ نباتات التجارب. انتشرت هذه النباتات سريعا إذ كانت تلتهم الفاقدين لقدرتهم على الإبصار، الذين لم يتمكنوا من تجنب الاصطدام بها، وبالتدريج بدأ البشر يبادون من على سطح الأرض، ومع ذلك لم ينعدم الأمل؛ فثمة رجل يرتدي عصابة كثيفة حول عينيه، كان يجري عملية في المستشفى في وقت مرور كرة اللهب، احتفظ ببصره، وكذا بعض الأشخاص الآخرين، بدءوا جميعا في تدمير هذه النباتات، وهكذا أنقذ البشر. (3) التمثيل الضوئي
تستخدم النباتات طاقة الضوء في تصنيع جزيئات عضوية. إن التفاعل الذي يحدث؛ عملية التمثيل الضوئي، هو عكس التفاعل تماما الذي يحدث في عملية التنفس، التي تؤكسد فيها الحيوانات الجزيئات العضوية حتى تحصل على الطاقة اللازمة لحركة العضلات وتوصيل الأعصاب والنمو والعمليات الأخرى،
15
وبعدما تستخدم النباتات طاقة الضوء في تصنيع الكربوهيدرات في أثناء النهار ، تعمل بعد ذلك على أكسدة بعض منها في أثناء الليل، بالطريقة نفسها التي تستخدمها الحيوانات، المعروفة بالتنفس. رغم أن النباتات تحتاج كما يبدو إلى طاقة أقل من تلك التي تحتاج إليها الحيوانات نظرا لأنها لا تتحرك، فإنها تظل بحاجة إلى قدر منها من أجل النمو وعمليات أخرى؛ مثل تحريك العناصر الغذائية من التربة إلى الأعلى لتصل إلى الأوراق، الذي لا يكون مطلبا هينا في حالة شجرة السيكويا التي يصل ارتفاعها إلى 300 قدم.
على الأرجح، يكون ترتيب التغيرات الجزيئية الأساسية في عملية التمثيل الضوئي، التي تتطلب أكثر من عشرة تفاعلات كيميائية منفصلة، عكس تماما التفاعلات المطلوبة في عملية التنفس، لكن الأنزيمات التي تحفز كثيرا من هاتين المجموعتين من التفاعلات تكون في الأساس واحدة. في الواقع يكمن الاختلاف في اتجاه تدفق المادة؛ تحويل ثاني أكسيد الكربون والماء إلى كربوهيدرات وأكسجين في الحالة الأولى، وتحويل الكربوهيدرات والأكسجين إلى ماء وثاني أكسيد الكربون في الحالة الثانية. ويمكن تشبيه الأمر بمقصورتي سكك حديدية على مسار شديد الانحدار، إحداهما صاعدة والأخرى هابطة؛ بحيث تحصل المقصورة الصاعدة تدريجيا على طاقة كامنة، في حين تفقدها الهابطة بالتدريج. ربما يكون مصدر الطاقة الأساسي هو الكهرباء أو ربما يكون مجرد الكتلة، كما في سكة حديد لينتون ولينموث في ديفون الشمالية في إنجلترا؛ إذ يضاف الماء إلى خزان تحت المقصورة الموجودة في المحطة العليا التي تقع على جرف في لينتون، بقدر يزيد على وزن المقصورة وركابها الموجودة في الأسفل في لينموث. تبدأ المقصورتان في التحرك كل منهما تجاه الأخرى، وعندما تصل المقصورة التي كانت في الأعلى إلى الأسفل، يفرغ منها الماء وتكرر العملية. يحرك هذه العملية بأكملها فقدان الماء من القمة، تماما كما يحرك فقدان الطاقة الضوئية من الشمس كافة صور الحياة على الأرض، الذي يكون متناهي الصغر بالطبع مقارنة بامتصاص المواد الأخرى لضوء الشمس داخل المجموعة الشمسية.
لا تستطيع الحيوانات استخدام طاقة الضوء في تصنيع الجزيئات العضوية، لكنها تمتص الضوء وتحوله إلى نبضة تنتقل من الجزء الخلفي من الشبكية في العين إلى مركز الإبصار في المخ؛ حيث يسجل الإحساس بالضوء؛ ومن ثم الأشكال. يشبه الجزء الأول من هذه العملية؛ امتصاص الضوء، بطرق كثيرة امتصاص النباتات للضوء. يوجد تشابه أكبر مع نوع معين من الجراثيم؛ وهو نوع من البكتيريا القديمة تجري عملية التمثيل الضوئي، تستمد جزءا من طاقتها من الضوء وجزءا آخر من أكسدة الجزيئات العضوية. تعيش هذه البكتيريا في بيئات عالية الملوحة، مثل الموجودة في البحيرة المالحة الكبرى في يوتاه، والبحر الميت الذي يقع بين إسرائيل والأردن؛ ومن ثم تسمى أليفة الملح (محبة للملح)، ومن الأمثلة النموذجية على هذا النوع بكتيريا الملحاء العصوية الملحية.
في هاتين الحالتين - الحيوانات وبكتيريا الملحاء العصوية الملحية - يسمى الجزيء الحساس للضوء رودوبسين. يتكون هذا الجزيء من وحدتين؛ جزيء صغير يسمى رتينول يشبه في تكوينه فيتامين «أ» (المشتق منه)، وبروتين يدعى أوبسين. يرتبط الرتينول بالأوبسين تماما مثلما يرتبط الهيم ببروتين الجلوبين في جزيء الهيموجلوبين. إن التركيب الكيميائي لصورته المتأكسدة - الريتينال - يمكنه من امتصاص الضوء، وعند فعل هذا يتغير شكله (ولونه) قليلا. يحدث هذا التغيير تحولا طفيفا في تركيب الأوبسين. في حالة بكتيريا الملحاء العصوية الملحية، يبدأ التغير التركيبي سلسلة من التفاعلات الجزيئية التي تنتهي بتصنيع جزيء محول للطاقة؛ ثلاثي فوسفات الأدينوسين، الذي يستخدم في كل من نمو البكتيريا وقدرتها على السباحة نحو مصدر الضوء. في شبكية العين عند الحيوان، يؤدي التغير في الأوبسين إلى إرسال نبضة كهربائية إلى المخ. هذه النبضة تشبه تلك التي تصدر من اللمس أو الحرارة أو الصوت أو الرائحة؛ فلا يصنع ثلاثي فوسفات الأدينوسين على الإطلاق. على العكس، فإن ثلاثي فوسفات الأدينوسين يستهلك في أثناء عملية توصيل العصب. ومن الواضح أن الأوبسين لدى الحيوانات ليس مطابقا للموجود في بكتيريا الملحاء العصوية الملحية، لكن بينهما من التشابه ما يكفي لجعلهما يؤديان الوظيفة نفسها المتمثلة في تحويل نبضة ضوئية إلى تفاعل كيميائي.
لا تستخدم النباتات والبكتيريا الأخرى التي تقوم بعملية التمثيل الرتينول الموجود لدى الحيوانات أو بكتيريا الملحاء العصوية الملحية في جمع الضوء؛ ففي النباتات تتمثل صبغات امتصاص الضوء الأساسية في الكلوروفيل والكاروتين واللوتين، التي يرتبط كل منها ببروتين يترجم طاقة الضوء إلى طاقة كيميائية (في شكل ثلاثي فوسفات الأدينوسين)؛ نظرا لانفصال البكتيريا القديمة منذ أكثر من 700 مليون سنة قبل ظهور الجد المشترك للنباتات والحيوانات في الحياة، فإن امتلاك بكتيريا الملحاء العصوية الملحية للرودوبسين أمر شاذ. يقدم هذا مثالا على التطور التقاربي أكثر من التطور التباعدي. المهم هنا أن الوظيفة العامة - المتمثلة في القدرة على امتصاص الضوء وإحداث تفاعل كيميائي - تكون واحدة في الأساس في النباتات، وفي البكتيريا المستخدمة للتمثيل الضوئي، وفي أعين كل نوع من الحيوانات بما في ذلك الإنسان.
Bog aan la aqoon