Jawhar Insaniyya
جوهر الإنسانية: سعي لا ينتهي وحراك لا يتوقف
Noocyada
لكن الأمر الذي لم يخطر على ذهن أحد عدا داروين ووالاس في إنجلترا، وجان باتيست لامارك قبل نصف قرن في فرنسا، أن الكائنات الحية قد تتغير ببطء أيضا بمرور الوقت. اختلف لامارك عنهما في اعتقاده بأن الصفات التي يكتسبها الكائن طوال حياته تنتقل إلى ذريته؛ أما داروين ووالاس فقد اختارا الاعتقاد بأن الطبيعة تطرح عددا من الأشكال المختلفة، لا يبقى منها إلا الأكثر ملاءمة للبيئة في هذا الوقت. أثبت فيما بعد أن وجهة نظر لامارك غير صحيحة، رغم إعادة إحيائها في الحقبة السوفييتية على يد عالم الأحياء تروفيم دينيسوفيتش ليسينكو؛ فقد لاقت نتائجه التي كانت تهدف لإظهار وراثة الصفات المكتسبة استحسان جوزيف ستالين؛ فهكذا تنتقل قيم الماركسية بين الناس عبر الأجيال. بالإضافة إلى ذلك، سعد ستالين على وجه الخصوص بزعم ليسينكو أن البذور التي تتعرض لدرجة حرارة منخفضة ستكون أكثر قدرة على إنتاج محاصيل في الطقس البارد؛ إذ كان من شأن هذا أن يغير المحاصيل الزراعية في جميع أنحاء سيبيريا. كانت النتيجة مختلفة تماما؛ فقد مات الملايين من الجوع (لكن ليسينكو أصبح مديرا لمعهد علم الوراثة ورئيس أكاديمية لينين للعلوم الزراعية التي تشمل كل الاتحاد السوفييتي). المهم في الأمر أنه في عام 1850، سواء في إنجلترا أو فرنسا، لم يكن يوجد إلا عدد قليل من الناس الذين لا يقرون بأن أصل كل أنواع الحيوانات والنباتات هو حدث إلهي لم يتكرر.
لم يعلن داروين عن نتائجه، التي استوحاها من الاختلافات الطفيفة بين طيور البرقش التي وجدها على جزر جالاباجوس التي تقع غرب الإكوادور، طوال أكثر من 15 سنة، وعندما أدرك أن والاس كان يفكر على النحو نفسه، أسرع في نشر كتابه «في أصل الأنواع عن طريق الانتقاء الطبيعي أو بقاء الأعراق المفضلة في أثناء الكفاح من أجل الحياة» مع الناشر جون موراي، في 24 من نوفمبر عام 1895. أرسل موراي أجزاء من المسودة من أجل مراجعتها، ورغم ما حصلت عليه هذه الأجزاء من تعليقات لاعنة من البعض، فإن عددا كافيا من العلماء ذوي المكانة الرفيعة - عالم الجيولوجيا السير تشارلز لايل، وعالم النباتات السير جوزيف هوكر، وآخرين غيرهما - دعم آراء داروين بقوة تكفي لتجعل موراي يقدم على مثل هذه المخاطرة. طبع 1250 نسخة من الكتاب، بيعت كلها على الفور، وطبعت طبعة ثانية تبلغ 3000 نسخة من أجل تلبية الطلب عليه. أصبح الكتاب حديث الدوائر الثقافية في جميع أنحاء إنجلترا، وسرعان ما نشر في أمريكا، وتبع ذلك ترجمته إلى الألمانية والفرنسية. ورغم ذلك كان رد الفعل العام عليه متباينا؛ فلم يفهم إلا عدد قليل ما كان يحاول داروين أن يقوله، والذين اعتقدوا أنهم فهموا قصده، أدانوه لأسباب دينية. أضيفت السخرية أيضا إلى الهجوم: «سيد هكسلي: أود أن أعرف من أي جانب تدعي أنك انحدرت منه من نسل القرود؛ من جانب جدك أم جدتك؟» هكذا حاول الأسقف صامويل ويلبرفورس إحراج توماس هكسلي، عندما كان هذا الرجل المحترم يؤيد فرضية داروين عن أصل الأنواع في اجتماع للجمعية البريطانية لتقدم العلوم في أكسفورد عام 1860.
20
أغضبت هذه المزحة الساخرة من «سام المتملق» ويلبرفورس - ابن المصلح الاجتماعي ويليام ويلبرفورس، الذي أدت حججه القوية في البرلمان إلى إلغاء العبودية في بريطانيا قبل 25 عاما - هكسلي كثيرا. من ناحية أخرى، أعطى افتقار هجوم ويلبرفورس للمنطق فرصة لهكسلي للرد سريعا بعنف قائلا: «أنا لا أخجل من أن يكون أسلافي من القردة؛ ولكني أخجل من معرفة رجل استخدم الهدايا الكبيرة لإخفاء الحقيقة.» لاقى كلام هكسلي استحسان الجميع، بينما حصل ويلبرفورس على الازدراء.
بخلاف التحيز الفطري لدى الناس ضد فرضية التغير المستمر للأنواع، كانت المشكلة تتمثل في عدم قدرة داروين على تقديم تفسير منطقي لطريقة تحقق هذا التنوع. لم يظهر الدليل اللازم لتفسير هذا الأمر إلا بعد مرور أكثر من قرن من الزمن؛ فعندما بدأت دراسة الكائنات الحية من الناحية الجزيئية، بدأت تظهر الآلية التي تحدث بها هذه التغييرات الخفية في الشكل والوظيفة. كم كان داروين سيقدر الاكتشافات العلمية التي حدثت في فترة خمسينيات وستينيات القرن العشرين، والسهولة الفطرية لتضاعف الدي إن إيه والشفرة الثلاثية!
إذا كانت عملية ظهور نوع جديد تحدث ببطء، فإن عملية انقراض نوع موجود بالفعل، أقل قدرة على التكيف، تكون عادة أكثر بطئا؛ فعلى مدار مليار سنة مضت تقريبا، كان ظهور الأنواع الجديدة أسرع من عملية انقراض الأنواع الموجودة على قيد الحياة؛ مما أدى إلى حدوث تنوع متزايد في الكائنات الحية، وحاليا يوجد نحو 10 ملايين نوع مختلف من النباتات والحيوانات في العالم، لم يرد وصف إلا مليون ونصف مليون نوع فقط منها حتى الآن. تتعايش الأنواع التي ستتعرض للانقراض في النهاية مع الأنواع التي ستنجو؛ فعلى سبيل المثال، بعد وقت طويل من ظهور الإنسان الحديث، ظلت أنواع من القردة العليا الأقدم تعيش معه. إن المدى الزمني الذي يستغرقه التغير التطوري حتى يصبح واضحا، في حالة الرئيسيات مثل القردة العليا والإنسان، يقدر بمئات الآلاف من السنين. بالطبع أحيانا يحدث الجزء الثاني من العملية، المتمثل في انقراض الأنواع، بسرعة أكبر.
على سبيل المثال، غير الارتطام المحتمل لمذنب من الفضاء الخارجي منذ 65 مليون سنة البيئة؛ بحيث أدى إلى انقراض الديناصورات في خلال فترة زمنية قصيرة نسبيا.
21
يعتقد أن عرض هذا المذنب كان يقدر بنحو 6 أميال، وأن ارتطامه بالأرض كان بقوة تساوي انفجار مليار قنبلة نووية؛ ونتيجة لهذا أحدث حفرة، في خليج المكسيك، يبلغ عرضها 100 ميل. أدى هذا إلى ظهور سحابة من الغبار ربما استمرت لفترة تتراوح بين عدة أشهر إلى ما يقرب من عقد؛ مما أدى فعليا إلى توقف عملية التمثيل الضوئي بالكامل. وبالتدريج أصبح لنقص النباتات الخضراء تأثير هائل على السلسلة الغذائية؛ إذ كان له إما تأثير مباشر على الديناصورات، التي كان كثير منها نباتيا، أو تأثير غير مباشر، من خلال نقص عدد الحيوانات التي كانت تتغذى عليها. كان أحد الآثار الأخرى لهذا الحدث الاحترار العالمي؛ حيث أدى توقف التمثيل الضوئي إلى عدم امتصاص أوراق الأشجار لثاني أكسيد الكربون الموجود في الجو، ونتيجة لهذا تكون الكمية الزائدة من ثاني أكسيد الكربون في الجو حاجزا عازلا حول الأرض، وهو المعروف بتأثير «الصوبة الزجاجية»، وربما يكون مثل هذا الاحترار قد أثر بالسلب على قدرة الديناصورات على التكاثر؛ هذا لأنه كما نعلم فإن جنس مواليد بعض أنواع الزواحف (فئة من الفقاريات من أقارب الديناصورات) يتحدد جزئيا بدرجة الحرارة التي ينمو فيها داخل البيضة. إذا كان هذا ينطبق أيضا على بيض الديناصورات فربما تكون نسبة الذكور للإناث تغيرت كثيرا؛ بحيث تعذر على أي نوع من الديناصورات البقاء على قيد الحياة، كذلك من المحتمل أن يكون انبعاث أدخنة سامة من الحفرة هو ما أفناها.
مع ذلك، قبل انقراض الديناصورات بالكامل، بدأت أنواع معينة في التطور بالفعل لتصبح أسلاف الزواحف الموجودة في عصرنا الحالي، مثل التماسيح والسلاحف؛ بينما تطور البعض الآخر، على الأرجح، ليشكل فئة الطيور الموجودة في عصرنا الحالي. يوجد اتفاق عام على فكرة أن عصر الزواحف انتهى منذ نحو 65 مليون سنة، مع الحلول التدريجي للثدييات محل الديناصورات؛ إذ بدأت الثدييات تظهر في ظل أخطار محدقة قرب نهاية عصر هيمنة الديناصورات. استمر عصر الثدييات الذي نتج عن هذا حتى يومنا هذا. اختفت كائنات أخرى، مثل المنخربات،
Bog aan la aqoon