Jawhar Insaniyya
جوهر الإنسانية: سعي لا ينتهي وحراك لا يتوقف
Noocyada
في عصر الجمهورية في القرن الخامس قبل الميلاد وضع سقراط وتلميذه أفلاطون قواعد ما يعرف فعليا بالفلسفة الأخلاقية. رأى سقراط أن الحياة الفاضلة تعتمد على المعرفة، التي أساسها معرفة الإنسان بنفسه، وخاصة الاعتراف بما لا علم له به. أما أفلاطون فقد دمج هذه الأفكار في الميتافيزيقا والأخلاقيات، وفي السياسة أيضا. فيجب أن يتحدد الحاكم على أساس التعليم، وليس المولد أو الثروة. عندما ناقشت هذا الموضوع في الفصل السادس، قارنت التوريث بالاختيار كوسائل لتحديد الحاكم التالي. ومع ذلك، نادرا ما يقع اختيار الناس على الأكثر تعلما؛ فقد أثبتت النفعية - التي يكرهها المثقفون - على مدار السنين أن لها أهمية أكبر في الحاكم من سعة اطلاعه. أبعد أبرز تلاميذ أفلاطون هذا الجدل عن القيم الأخلاقية وأعاده إلى العالم الطبيعي؛ فطوال القرن الرابع استخدم أرسطو قواعد الجدال - افتراض يتبعه استنتاج - في محاولته لتفسير الظواهر الفيزيائية دون اللجوء إلى التدخل الإلهي. واتفق مع فيلسوف القرن السابق لعصره، إيمبيدوكليس، في أن العالم مكون من أربعة عناصر: التراب والنار والهواء والماء. وأضاف أرسطو أن كلا منها يكون إما رطبا أو جافا، حارا أو باردا. إن حقيقة أن هذا يحاكي إلى حد ما العناصر الأساسية الصينية الخمسة من ماء ونار وخشب ومعدن وتراب لا ينبغي تفسيرها على أنها تشير إلى وجود صلة من نوع ما بين الثقافة الإغريقية والصينية؛ فهي أمور واضحة لأي شخص يفكر في هذه الأمور، تماما مثل حقيقة أن بعض الحيوانات تطير وأخرى تسبح، وبعضها يمشي وأخرى تزحف. إن الفكرة في الفلسفة الأرسطية أنها قدمت، لأول مرة، تفسيرات منطقية للعالم الذي يعيش الإنسان فيه؛ من حركة النجوم - في الواقع حركة كل الأجسام - وطيران الطيور، وتطور جسم الإنسان. ظل منطقه مسيطرا على المفكرين الأوروبيين والعرب طوال ألفي سنة، ولم يتضح أن معظم افتراضاته الأساسية كانت خاطئة حتى ظهور العلم التجريبي على يد رجال مثل جاليليو ونيوتن، وخلفائهم في مجال علم الأحياء في القرنين التاسع عشر والعشرين. •••
يمكن ببراعة تلخيص معتقدات الثقافات الخمس التي ذكرت حتى الآن على النحو التالي: كانت ديانة السومريين بالأساس تتمحور حول فكرة وجود إله، وديانة المصريين حول فكرة الموت، وديانة الهنود حول الروح، وديانة الصينيين حول الحكم، وديانة الإغريق حول الإنسان.
12
وماذا عن الديانات التي ظهرت في أمريكا الوسطى والجنوبية؟ (1-2) الأمريكتان
كان محور العبادة بين شعوب وسط أمريكا، مثل المصريين، الشمس؛ فبنى كل من سكان مدينة تيوتيهواكان والأولمك والتولتيك والمايا والآزتيك معابد مزخرفة من أجل تبجيل مانح الضوء. كان الإله الرمزي لليل بوجه عام هو القمر (وإلهة شريرة في حالة المايا). وكلاهما كان لا بد من استرضائه من أجل ضمان حدوث التغيرات اليومية في الضوء والظلام. وبالنسبة للزراعة كان إله الذرة الشاب يكمل إله الشمس. أدرك المايا أن المياه عنصر أساسي لنجاح المحصول تماما مثل الشمس؛ ويثبت أسلوب الري المتطور لديهم هذا. لم تكن الحضارات السومرية والمصرية والهندية والصينية، التي نشأت كل منها على ضفاف نهر عظيم يفيض بانتظام على المحاصيل المزروعة على طول ضفافه، بحاجة إلى آلهة للمطر. أما المايا، سواء في سهول يوكاتان أو في مرتفعات جواتيمالا، فكانوا بحاجة إليهم. لا عجب إذن في عبودية المايا لآلهة المطر؛ في يوكاتان الآلهة تشاك،
13
وفي المرتفعات الآلهة تشاكان الشبيهة بها. كان التشاك يصنعون المطر عن طريق سكب الماء من أوعية بيضاوية من السماء؛ وكانوا مسئولين أيضا عن البرق، الذي كان يحدث من خلال إلقائهم الفئوس الحجرية إلى الأسفل. ومثل الآلهة الأخرى، كانت هذه الآلهة توجد أيضا في شكل أربعة كيانات، ترتبط بالاتجاهات السماوية الأربعة. كان لكل منها لون مختلف؛ الأبيض للشمال، والأحمر للشرق، والأصفر للجنوب، والأسود للغرب، أما المنتصف فكان لونه أخضر.
14
مثل الآلهة الأخرى، كانت الآلهة تشاك تسترضى بأنواع مختلفة من القرابين؛ كل شيء بداية من المصنوعات من اليشم، ومرورا بالزهور والمنتجات النباتية، وحتى الحيوانات والطيور والحشرات والأسماك. إلا أن أثمن قربان كان دون شك القربان البشري. كان الدم يسحب عادة من الضحية أولا، ومن الحيوانات أيضا، وأحيانا يكون هذا كافيا. وإن لم يكن هذا كافيا كان الضحية يثبت باسطا ذراعيه وساقيه على صخرة القربان، ربما من أجل الإشارة إلى الاتجاهات الأربعة السماوية، على يد كهنة اسمهم «التشاك»، قبل غرس سكين في جسده وانتزاع قلبه. بوجه عام يكون الضحية طفلا أو حاكما أسيرا أو أحد النبلاء يكون في صحة جيدة على خلاف المتوقع (فمن الصعب أن تسعد الآلهة بالتضحية برجل مسن على وشك الموت). ثمة إله آخر كان لا بد من استرضائه، وهو كيتزالكواتل، الذي يظهر في شكل أفعى لها ريش في طقوس العبادة الدينية لثقافات التولتيك والألمك والمايا والآزتيك. بخلاف الثعابين، كان الحيوان المفترس الرئيسي الآخر للبشر وحيواناتهم الأليفة في وسط أمريكا النمر المرقط، ونجد الكثير من المعابد المخصصة لاسترضائه. وقد صبغت عبادة أحفاد المايا الذين يعيشون حاليا في أمريكا الوسطى، والذين أصبحوا كاثوليكا رومانا بالاسم، بالمعتقدات القديمة في آلهة المايا، تماما مثلما يمتزج الدين المسيحي في أوروبا بالاحتفالات الوثنية التي داوم عليها أهالي الشمال، وفي الإمبراطورية الرومانية في العصور القديمة. «كان الهنود في بيرو وثنيين للغاية لدرجة أنهم كانوا يؤلهون أي نوع تقريبا من الكائنات.» هكذا بدأ وصف ديانة الإنكا من جانب المعلم اليسوعي الأب برنابيه كوبو.
15
Bog aan la aqoon