Jawhar Insaniyya
جوهر الإنسانية: سعي لا ينتهي وحراك لا يتوقف
Noocyada
20
ومع بدء إدراج الكلمات المجردة أصبحت الحروف المعروفة باسم هان، المسماة على اسم الأسرة التي حكمت من 206 قبل الميلاد إلى 200 ميلاديا، رمزية بالكامل؛ فقد أدخلت في عهد أسرة تشين التي سبقتها (221-206 قبل الميلاد) كتابة موحدة حتى يستطيع الأفراد من المناطق المختلفة - الذين لا يستطيع بعضهم فهم لهجات بعض - التواصل. وفي عصر أسرة تانج (618-907 ميلاديا) اخترع الورق والطباعة وازدهر الأدب؛ فقد بقي من هذا العصر أكثر من 48 ألف قصيدة وأكثر من ألفي مؤلف. استمر عدد الرموز في الزيادة، وبحلول عام 1066 وصل إلى 31319، ويحتوي حاليا قاموس دجونجهوا دزيهاي على 85568 رمزا. إلا أن كثيرا من هذه الرموز هي مجرد أشكال مختلفة خاصة بالنصوص البوذية والطاوية (تذكر الكتابة الهيراطيقية في مقابل الديموطيقية في مصر القديمة)، وبدائل أخرى خاصة بهونج كونج وتايوان وسنغافورة وكوريا واليابان؛ كما أن عدد الموضوعات التي تصنف تحتها هذه الرموز التي يقدر عدد بنحو 85 ألف رمز لا يتعدى 200 فرع. إذن هل بالفعل تعتبر الصينية لغة تصعب إجادتها؟ كان على المرء حتى يتأهل ليصبح كاتبا في أسرة هان معرفة 9 آلاف رمز، وهو تقريبا نفس عدد الكلمات التي توجد في قاموس إنجليزي أو إيطالي عادي. أما الآن، فيمكنك تدبر أمرك بمعرفة نحو من ألفين إلى 3 آلاف رمز أساسي، وهي تمثل نحو 70٪ من كل الرموز المستخدمة منذ عصر أسرة شانج حتى العصر الحالي. وتذكر أنه على عكس اللغات الهندية الأوروبية، تعتبر الصينية لغة نغمية؛ فلا يوجد تغيير في صيغ الأسماء أو إعراب أو تصريف للأفعال.
كانت اللغة المينوية، التي اتخذها الميسينيون، النموذج الأولي للغة الإغريقية، التي ظل الناس يتحدثون بها في البر الرئيسي للدولة على مدى ثلاث ألفيات. ورغم العثور على نحو 400 لوح من الطمي عليها نقوش تسمى النظام الخطي (أ) يرجع تاريخها إلى عام 1750 قبل الميلاد على جزيرة كريت، فإن شفرتها لم تفك حتى الآن. ومن ناحية أخرى، حلت شفرة نوع آخر من الكتابة يعرف باسم النظام الخطي (ب)، عثر عليه محفورا على ألواح من الطمي استخرجت من كنوسوس وبيلوس (في شبه جزيرة بيلوبونيز) يرجع تاريخها أيضا إلى 3500 سنة. يرجع هذا الإنجاز إلى حد كبير إلى العالم مايكل فينتريس، الذي استنتج في عام 1952 أن النظام الخطي (ب) نوع من الكتابة المقطعية التي تعبر عن شكل بدائي من الإغريقية. كانت هذه الكتابة في الأساس أبجدية الفينيقيين، التي اتخذها الإغريق في عام ألف قبل الميلاد تقريبا. انتهج الرومان الأسلوب ذاته، رغم أن الكلمات اللاتينية التي اخترعوها كانت بالطبع مختلفة. وعبر غزوات الرومان انتشر استخدام اللاتينية في معظم أنحاء أوروبا، وشكل أساسا للغات الرومانسية الحالية؛ الإيطالية والرومانية والإسبانية والبرتغالية والفرنسية، وإليها يمكن إضافة الكلمات الإنجليزية التي ظهرت منذ عصر الغزو النورماني. أما اللغات الجرمانية، مثل الألمانية والهولندية والإسكندنافية والإنجليزية، فتشكل مجموعة أخرى، تماما مثل اللغات السلافية، التي تضم الروسية والأوكرانية والبولندية والتشيكية والسلوفاكية والسلوفينية والصربية والكرواتية والبلغارية؛ وجميعها لغات هندية أوروبية.
21
يمكن العثور على خريطة توضح كيفية انتشار هذه اللغات بحلول القرن الخامس عشر في كتاب جارد دياموند «ازدهار الشمبانزي الثالث وتدهوره».
22
وكما نتوقع، تتبع المؤشرات الوراثية الطرق نفسها؛ فيوجد ارتباط مباشر بين انتشار الجينات واللغات.
23
إذا كنت أمضيت وقتا في الحديث عن أصل اللغة الصينية أطول من ذلك الذي أفردته للغات الأخرى، فإن هذا لثلاثة أسباب؛ الأول: أن اللغة الصينية تقدم مثالا جيدا على طريقة تحول الكلمة المنطوقة، عبر الرموز التصويرية، إلى كتابة. والثاني: أنها مثال على كيف تؤدي رغبتنا في توصيل قضايا وأفكار أكثر تعقيدا إلى جيراننا إلى ثراء اللغة. والثالث: أن العناصر الأساسية للكلام والكتابة ظلت نفسها لأكثر من 3 آلاف سنة، وهذا يعطي الدارسين - وقراء هذا الكتاب - فرصة لتتبع تأثير بحث الإنسان عن التجديد في مجالات مثل الأدب والتكنولوجيا في إطار سياق ثقافي واحد، حتى عصرنا الحالي. والمجتمع الوحيد الذي يقترب من هذا هو اليونان.
يعتبر أدب اليونانيين أسطوريا بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان. ظهر سرد القصص بالطبع منذ بدأ الإنسان في الكلام منذ 100 ألف سنة، لكن لأكثر من 97 ألف سنة تالية لم تكن القصص تنتقل إلا شفهيا، وبمجرد اختراع الكتابة، سرعان ما بدأت أحداث الماضي والحاضر تسجل. في أوروبا، كما رأينا، حدث هذا في القرن الثامن قبل الميلاد تقريبا، وكان أحد أوائل الشخصيات الأدبية التي سجلت تاريخ بلدها شعرا هوميروس؛ ومثل راو آخر ظهر بعد 2400 سنة، وهو الشاعر الإنجليزي جون ميلتون، كان هوميروس ضريرا على الأرجح، وتمثل القصائد الملحمية التي نسبت إليه، خاصة الإلياذة والأوديسا، خليطا متشابكا ببراعة من الحقيقة والخيال. فالمينوتور الذي كان على أوديسيوس (يوليسيس لدى الرومان) قتاله والتغلب عليه أسطوري، لكن على الأرجح كانت كنوسوس هي موقع القصر الذي كان المينوتور يدافع عنه، حيث يوجد قصر الملك المينوي. كما أن الآلهة والأفراد الذين تفاعلوا معهم؛ أجاممنون من ناحية والطرواديون من ناحية أخرى، كانوا أسطوريين، لكن طروادة كانت موجودة وتشهد أنقاضها (الموجودة في شمال غرب الأناضول) على مدينة كانت عظيمة في وقت ما. وهكذا، وبعد قرنين أعاد الشعراء نسج بعض من شخصيات هوميروس ومآثرهم، ويشكل إنتاجهم التراث الدرامي لليونان القديمة. وحتى يومنا هذا ربما نرى عروضا لمآسي إسخيلوس وسوفوكليس ويوربيديس، والمسرحيات الكوميدية للكاتب المسرحي أريستوفان الذي جاء فيما بعد وهجا زملاءه من الشعراء والسياسيين والفلاسفة على حد سواء، كما أن أسلوبه الفكاهي يتناسب مع عصرنا الحالي تماما كما كان منذ ألفيتين؛ ففي مسرحية «الطيور» ابتكر أريستوفان «أرضا خيالية للوقواق بين السحاب»، وفي مسرحيته «ليسستراتا» تمتنع النساء عن تقديم خدمات جنسية للرجال في مجتمعهم احتجاجا على الحرب؛ وهما فكرتان لهما صدى حديث للغاية. هذا وتعتبر المحاكاة الساخرة، والسخرية من الشخصيات العامة حجر الزاوية للنظم الديمقراطية، ويؤدي قمعهما في النظم الديكتاتورية إلى دفع الدولة بضع درجات أسفل سلم الإنجاز.
Bog aan la aqoon