الجوهر المنضد في طبقات متأخري أصحاب أحمد
تأليف
الإمام العلامة المحدث يوسف بن الحسن بن عبد الهادي الدمشقي الصالحي الحنبلي
المعروف بـ «ابن المبرد» (٨٤٠ - ٩٠٩ هـ)
حققه وقدم له وعلق عليه
الدكتور عبد الرحمن بن سليمان العثيمين
جامعة أم القرى - مكة المكرمة
Bog aan la aqoon
(ح) مكتبة العبيكان، ١٤٢٠ هـ
فهرسة مكتبة الْملك فَهد الوطنية أثْنَاء النشر
الْخَوَارِزْمِيّ، الْقَاسِم بن الْحُسَيْن
الْمَقْدِسِي، يُوسُف بن حسن
الْجَوْهَر المنضد فِي طَبَقَات متأخري أَصْحَاب أَحْمد/ تَحْقِيق عبد الرَّحْمَن سُلَيْمَان العثيمين - الرياض.
٣٥٢ ص، ١٧ × ٢٤ سم
ردمك: ٣/ ٦٥١ - ٢٠ - ٩٩٦٠
١ - الْفُقَهَاء الْحَنَابِلَة
أ - العثيمين، عبد الرَّحْمَن سُلَيْمَان (مُحَقّق)
ب - العنوان
ديوي ٩٢٢.٥٨٤ ... ٣٢٧٠/ ٢٠
ردمك: ٣ - ٦٥١ - ٢٠ - ٩٩٦٠ ... رقم الْإِيدَاع: ٣٢٧٠/ ٢٠
حُقُوق الطَّبْع مَحْفُوظَة
الطبعة الأولى الْخَاصَّة بمكتبة العبيكان
١٤٢١ هـ - ٢٠٠٠ م
الناشر
مكتبة العبيكان
الرياض - الْعليا - تقاطع طَرِيق الْملك فَهد مَعَ الْعرُوبَة
ص. ب: ٦٢٨٠٧ الرياض: ١١٥٩٥
هَاتِف: ٤٦٥٤٤٢٤، فاكس: ٤٦٥٠١٢٩
مقدمة / 2
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
"كان جبلًا من جبالَ العلمِ وفردًا من أفرادٍ العالَمِ عديمَ النَّظيرِ فى التَّحريرِ والتَّقرير، آيةَ عُظمى، وحجَّةً من حُجج الِإسلامِ كُبرى. بحرٌ لا يلحقُ له قرَار وبرٌّ لا يشقُّ له غُبار، أُعجوبةُ عَصره فى الفُنون ونادِرَةُ دَهره الذى لن تَسْمَحَ بمثلِهِ السُّنونُ".
كمال الدِّين الغزى (ت ١٢١٤ هـ)
مقدمة / 3
[مقدمة]
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، صلاة دائمة إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإنَّنى كثيرًا ما أرجع إلى كُتب طبقاتِ الحَنابلة للقاضي ابن أبى يَعلى، وذيلها لابن رجب، والمنهج الأحمد للعُلَيْمِىّ. . . ثم لا أجد طلبتى إلا بعد عناءٍ وتعبٍ شديدين، وذلك أن هذه الكتب - فى غالبها - غير مفهرسة ولا مرتبة، مع أنها تشتمل على علمٍ كثيرٍ، وفوائد متنوعة ويحتاج إليها كلُّ باحثٍ متخصصٍ فى الدراسات الِإسلامية.
فقلت فى نَفْسى لو أَنَّنى قُمت بفهرسة هذه الكتب ليسهل الرجوع إليها ويكثر الانتفاع بها.
وباشرتُ العمل بالجزء الأول من طبقات ابن أبى يعلى فى المحرم من عام ١٣٩٩ هـ ثم رأيت أن أقوم أولًا بجمعِ كُتُبِ الطبقات، ثم النَّظر فيها مجتمعة، ووضع فهرس رجالٍ شاملٍ لجميع المؤلفات التى أتمكن من الحصول عليها فى طبقاتهم، ليسهل بعد ذلك وضع فهرس كل كتاب على حدة، فبدأت بجمعها مخطوطها ومطبوعها فاجتمع لدىَّ مجموعة جيدة من كتب الطبقات منها المطول ومنها المختصر. ثم بدأت بفهرستها (فهارس تراجم) على بطاقات.
ولمَّا رأيت أن كتبَ الطَّبقات التى وقَفْتُ عليها ليست شاملةً لجميع علماء المذهب، فبعضهم يستدرك على الآخَرِ، ثم يترك هو علماء فى عصره أو فترته لم يَسْتَوْفِهِمْ فى كتابِهِ.
مقدمة / 5
وأنا الآن بدأت بمحاولة جمع تراجم علماء الحنابلة من المصادر المختلفة بواسطة الحاسب الآلى (الكمبيوتر) وترتيبها على حروف المعجم وذلك من لدن الإِمام أحمد حتى عام ألف من الهجرة (١٠٠٠ هـ) كمرحلة أولى.
وقد رجعت إلى مجموعة من كتب التاريخ والوفيات التَّراجم والرِّجال والمعاجم والأثبات والمشيخات والمجاميع والرَّحلات المخطوطة والمطبوعة وجمعت منها كثيرًا من العلماء الذين تُرجموا أو لم يُتَرجموا فى طبقات المذهب، ولا زال عملى فيه قائمًا أحاول استقصاء أكبرَ عددٍ ممكن من الكُتُبِ، ولا يشتمل هذا المُعجم على معلوماتٍ عن المترجم إلا اسمه كاملًا ومولده ووفاته ومصادر ترجمته فقط.
وفى نطاق هذا الاهتمام قصت بتحقيق بعض النُّصوص المجهولة لدى كثيرٍ من الباحثين التى أفدت منها معلومات جيدة عن حياة مجموعةٍ كبيرةٍ من عُلماء الحنابلة وآثارهم.
وكان من نتاج هذا الاهتمام التَّحقيق والتعليق على كتاب (الجوهر المنضَّد) للإِمام يوسف بن الحسن بن عبد الهادى (ت ٩٠٩ هـ) الذى ينشر لأول مرة ونقدّم له بهذه المقدمة، راجيا من الله تعالى أن ينفع به وأن يرحم مؤلفه وأن يشمل بعفوه ورحمته محققه.
وثنَّيتُ العملَ بتحقيق (المَقصد الأرشد) للإمام برهان الدين إبراهيم بن محمد بن مفلح (ت ٨٨٤ هـ) وهو الآن قَيد الطبع.
وقدمتُ لكتاب ابنِ عبد الهادى الذى بين يدى القارئ بمقدمة تحدثت فيها عن مؤلف الكتاب المحقق يوسف بن الحسن بن عبد الهادى وسيرته وأخباره وآثاره ثم تحدثت عن نشأة المذهب الحنبلي والتأليف فى الرجال عامة، وفى طبقات الفقهاء على وجه الخصوص، وخصصت طبقات الحنابلة بحديث وافٍ.
مقدمة / 6
لأن هذا الكتاب أولُ نصٍّ أقوم بنشره منها، وسأتبع ذلك العمل بما تيسر لى مستقبلا، إن شاء الله تعالى.
ثم تحدثت عن (الجوهر المنضد. . . .) فحققت اسمه ونسبته إلى مؤلفه، والفرق بينه وبين (العطاء المعجل فى طبقات أصحاب الِإمام المبجل) للمؤلف نفسه وهو فى طبقات الحنابلة أيضًا ثم تحدّثتُ عن مصادره وأهميته ومادته العلمية ووصفت نسخته الخطية التى هى أصل الكتاب.
كنتُ أزمعت أن أضع مستدركًا على الكتاب يطبع معه، للعلماء الذين أخل بهم كتاب ابن عبد الهادى وهم داخلون فى شرطه، إلا أنَّ كثرة هؤلاء العلماء جعلتنى أُفردُهم فى مؤلَّفٍ مستقل لكى لا يطغى المستدرك على أصل الكتاب، مع العلم أن المستدرك لا يشتمل على معلومات وإنما هو تعريف مختصر ثم مصادر الترجمة.
وخرجت التَّراجم من مصادر مختلفة، ثم ختمتُ العملَ بفهارس مختلفة خدمة للباحث لِسُرعة الحصول على المعلومات.
وقد بَذَلْتُ جهدى فى الرُّجوع إلى مصادره الأصلية وحاولتُ أن أحافظَ على سلامةِ نُصوصه ما استطعتُ إلى ذلك سبيلا، والله حسبى ونعم الوكيل.
كتبه
الفقير إلى الله تعالى
عبد الرحمن بن سليمان العثيمين
مكة المكرمة
١/ ١ / ١٤٠٦ هـ
مقدمة / 7
يوسف بن الحسن بن عبد الهادي
حياته وآثاره
(٨٤٠ - ٩٠٩ هـ)
مقدمة / 9
مصادر ترجمته:
ابنُ عبد الهادى من المُؤلفين القلائل الذّين حُفظت آثارهم وأَخبارهم، ويستطيع الباحث أن يقدمَ دراسةً شاملةً عن حياته العِلمية والعَملية من خلالِ آثاره التى تَركها وحُفظت لنا جيلًا بعد جيلٍ، وأغلبُ آثاره بخط يده.
فمن خلال قراءتى لبعضِ هذه الآثار تَبين لى أَنَّها غنيةٌ جدًّا بنقلِ أخبارِه وحياته العامة فلعل باحثًا متخصصًا يحاول جمعَها وترتيبَها والخروج منها بدراسةٍ مُستفيضة عن حياته.
ولعلَّ أقدمَ مَنْ ترجم له هو السَّخاوى (ت ٩٠٢ هـ) فى الضوء اللامع: ١٠/ ٣٠٨، ثم ابن طولون الصَّالحي (ت ٩٥٣ هـ) وهو تلميذ ابن عبد الهادى ترجم له: فى متعة الأذهان: ١٠٨ (مخطوط) وسكردان الأخبار (١)، ومعجمه (مخطوط)، وخصه بترجمة وافية بمؤلف خاص اسمه: (الهادى إلى ترجمةِ ابنِ عبد الهادى) وُصف بأنَّه مؤلفٌ ضخمٌ، وذكره الحافظ الغَيْطى (ت ٩٨١ هـ) فى مشيخته (مخطوط) وترجم له نجمُ الدين الغَزِّى فى الكواكب السَّائرة: ١/ ٣١٦، وابن العماد فى الشّذرات: ٨/ ٤٣، والكمال الغَزِّى فى النَّعت الأكمل: ٦٧، وابنُ حُميدٍ النَّجدى فى السُّحب الوابلة: ٣١٩، والشَّطِّى فى مُختصر طبقات الحنابلة: ٧٤، والكَتَّانى فى فهرس الفهارس: ٧٤، ومحمد كرد علي فى خطط الشام: ٨/ ١٧، وبروكلمان فى تاريخ الأدب العربى: ٢/ ١٠٧، والذِّيل: ٢/ ١٣٠، ٩٤٧. . وغيرهم.
_________
(١) لعله هو الموجود فى الاسكوريال تحت عنوان (الكُنّاش لفوائد الناس).
مقدمة / 11
اسمه ونسبه:
يوسف بن الحسن بن أحمد بن حسن بن أحمد بن عبد الهادى ابن عبد الحميد بن عبد الهادى بن يوسف بن محمد بن قُدامة بن مِقْدام ابن نصر بن فَتح بن حُذيفة بن محمد بن يَعقوب بن القاسم بن إبراهيم ابن إسماعيل بن يحيى بن محمد بن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضى الله عنه.
يُلقَّب: جمال الدين بن بدر الدين بن شهاب الدين (ابن المَبْرِدِ).
ويكنى أبا المَحاسن، وأبا عمر أيضًا، قُرشىٌّ عَدوىٌّ عُمرٌّ دمشقىٌّ صالحىٌّ، مقدسىُّ الأصلِ، حنبلىُّ المذهبِ.
و(ابن الَمْبرِد) لَقَبُ جدِّه شهاب الدين أحمد (١)، لقبه بذلك عمُّه، قيلَ: لقوَّته، وقيلَ: لخُشُونة يَده. وهو بفتح الميم وسكون الباءِ الموحّدة، كذا ضبطها الغَزِّى. . . وغيره.
قالَ ابن طُولون فى سكردان الأخبار (٢): (ابن المَبْرِدِ) بفتح الميم وسكون الباء الموحدة، كذا أملانى هذا النَّسب من لفظه وأنشدني:
من يطلب التَّعريف عنى قد هُدى. . . فاسمِى يوسفُ وابنُ نَجل المَبْرِدِ
وأَبى يُعَرفُ باسمِ سِبْطِ المُصْطَفَى. . . والجدُّ جَدّى قد حَذَاهُ بأَحْمَدِ
. . . . إلخ، وهى طويلة.
_________
(١) النعت الأكمل: ٦٧.
(٢) السحب الوابلة: ٣١٩.
مقدمة / 12
مولده:
اختُلف فى سنة ميلاده: فذكر السَّخاوى (١) أن مولدَه سنةَ بضعٍ وأربعين، وقالَ الشطِّى (٢): ولد سنة (٨٤١ هـ)، وذكر ابن العماد (٣) أن مولده فى دمشق فى غرّة المُحرم سنة (٨٤٠ هـ)، وكذا قال الغَزى (٤)، وقال ابنُ الملا (٥): ولد كما أخبر به فى سَلخ سنة (٨٤٠ هـ) وكذا نقل جارُ الله بن فهدٍ عن النُّعيمى قال: "وبه جَزَمَ محيى الدين النُّعيمى فى تاريخه العنوان" (٦)، ولعل هذا هو الأقرب إلى الصَّواب، وبه أيضًا جَزم تلميذه ابنُ طولون الدّمشقى قال: "مولده بالسَّهمِ الأعلى بصالحيةِ دمشق سلخ سنة (٨٤٠ هـ) ".
طلبه العلم ومشايخه:
تعلم مبادئ القراءة فى الكتاتيب كغيره من أبناء عصره وتفقَّه بأبيه وجدّه، ثم عكفَ على طلبِ العلم فقرأ القُرآن العظيم على جماعة من شيوخ عصره منهم:
الشيخ أحمد المصرى الحَنبلى، والشيخ أحمد العَسْكَرِىّ والشيخ عُمر العَسْكَرِىّ، والشيخ أحمد الصَّفَدِىّ، والشيخ زين الدين عبد الرحمن بن الحبَّال، قال عنه فى كتابه هذا (٧): "قرأتُ عليه
_________
(١) الضوء اللامع: ١٠/ ٣٠٨.
(٢) مختصر طبقات الحنابلة: ٧٤.
(٣) شذرات الذهب: ٨/ ٤٣.
(٤) الكواكب السائرة: ١/ ٣١٦.
(٥) متعة الأذهان: ١٠٨.
(٦) السحب الوابلة: ٣١٩.
(٧) الترجمة رقم: ٦٩.
مقدمة / 13
القرآن. . ." وقالَ: "سمعتُهُ يقول: حصل لى ما لا يحصُلُ لأحدٍ صعدت على ظهر بيتِ الله كتبتُ عليه جزءًا من القرآن ابتداء مصحف. وهذا المُصحف قرأتُ فيه".
وقرأ عليه "المُقنع" و"البُخارى" و"مُسلم" و"أربعين ابن الجَزَرِىّ". . . وغير ذلك.
وأقبل على طلب العلم وأجهد نفسه فى تحصيله ورحل إليه مرارًا ففى ترجمة حسن بن على بن عبيد المرداوى قال الغزى (١): "رحل مع الجمال ابن المبرد إلى بَعْلَبَك. . . ".
فقرأ الفقهَ والحديثَ وغيرهما فحفظَ أصولها وقرأهَا على مشاهير عُلماءِ عصره.
قالَ ابن حُمَيْدٍ (٢): "حفظ القرآن" و"المُقنع" و"الطُّوفى فى الأُصول" و"ألفية ابن مالك" ورحل إلى بعلبك. . . وقرأ ثَمَّت "صحيح البُخارى" و"مسند الحُميدى" و"المُنتخب لعبد بن حُميد" و"مسند الدَّارمِى"، وتفقَّه بالشيخ تقى الدين بن قُندس ثم صَرَفَ همته إلى علم الحَديث فأخذَ عن غالبِ مشايخِ الشَّاميين وأجاز له خلقٌ. . . .".
ومن شيوخه الذين أفاد منهم وذكرهم فى كتابه هذا:
أحمد البغدادى الإمام قال (٣): "ولى منه إجازة"، وعثمان التّليلى قال (٤): "قرأَت عليه جزء المنتقى من مسند الِإمام أحمد ومواضع من كتاب "المقنع".
_________
(١) النعت الأكمل: ٨٩.
(٢) السحب الوابلة: ٣٢٠.
(٣) الترجمة رقم: ٤.
(٤) الترجمة رقم: ٨٧.
مقدمة / 14
والِإمام الفقيه الشهير على بن سليمان المرداوى علاء الدين صاحب "الِإنصاف" قال (١): "قرأت عليه غالب "المقنع" حلا وغالب الطوفى".
وأحمد بن عبادة قال (٢) فى ترجمة أخيه: على بن عبادة "أخو شيخنا شهاب الدين المتقدم ذكره".
وعمر اللؤلؤى قال (٣): "قرأت عليه "ثلاثيات البخارى" و"الزهد" للإِمام أحمد و"مسند عبد بن حميد". . . وغير ذلك".
وناصر الدين بن زريق (محمد بن أبى بكر بن عبد الرحمن) قال (٤): "شيخنا، قرأت عليه أشياء. . . . ".
ومحمد بن محمد بن على السلمى قال (٥): "قرأت عليه جزءًا".
ومحمد بن عبد الله الصَّفى قال (٦): "شيخنا الِإمام العلامة الزَّاهد القُدوة، قرأت عليه "جزءَ الجُمعة الثانى" و"ثلاثيات البخارى". . . . وغير ذلك، وأجاز لنا غير مرة". . . وغيرهم.
ومن أبرز شيوخه أيضًا تقى الدين الجُراعى (ت ٨٨٣ هـ)، وتقى الدين ابن قندس (ت ٨٦١ هـ) (٧)، وشهاب الدين بن زيد
_________
(١) الترجمة رقم: ١٠٩.
(٢) الترجمة رقم: ١١٥.
(٣) الترجمة رقم: ١١٧.
(٤) الترجمة رقم: ١٤٢.
(٥) الترجمة رقم: ١٨٩.
(٦) الترجمة رقم: ١٩٢.
(٧) السحب: ٣١٩.
مقدمة / 15
(ت ٨٧٠ هـ)، ومحمد العسكرى، والقاضى برهان الدين بن مفلح (ت ٨٨٤ هـ)، وبرهان الدين الزُّرعى.
قال الغزى (١): "وأخذ الحديث عن خلائق من أصحاب ابن حجر العسقلانى، وابن العراقى، وابن البالسى، والجمال ابن الحرستانى، والصلاح ابن أبى عمرو، وابن ناصر الدين.
وأجاز له من مصر شيخ الِإسلام قاضى القضاة أبو الفضل ابن حَجَر العَسْقَلانى، والتّقى الشُّمنى، والشهاب الحِجَازى، والبرهان البَعلى، وأبو عبد الله بن فَهْدٍ، والشيخ قاسم بن قُطْلُوبَغَا المصرى والجمال ابن ناظِر الصَّاحِبَة، ومن مشايخه: النِّظام ابن مُفلح، وأبو عبد الله بن جوارش، والبُرهان البَّاعونى، وأبو الفرج بن خليل وأبو العباس بن شَريفة، وأبو العباس الفُولاذى، وأبو العباس بن هِلالٍ، وفاطمة بنت الحَرَسْتانى (٢).
وأخذ عن غير هؤلاء كثير جدًا رجالًا ونساءً، والمتتبع لأسانيده فى مؤلفات يظفُر بأعدادٍ كبيرةٍ من العلماء قرأ عليهم ابن عبد الهادى أو أجازوه أو أفادَ منهم.
وقد ألف ثلاثة معاجم كبيرًا ووسطًا وصغيرًا ضمّنها أسماءَ شُيُوخه، كما ألف تِلميذه ابن طُولون الدِّمشقى مجلدًا حافلًا فى ترجمته سماه: "الهادى إلى ترجمة يوسف بن عبد الهادى" (٣).
_________
(١) النعت الأكمل: ٦٨.
(٢) ذكرهم جميعا ابن حميد فى السحب الوابلة: ٣٢٠.
(٣) شذرات الذهب: ٨/ ٤٣.
مقدمة / 16
رحلاته فى طلب العلم:
تعلم ابن عبد الهادى فى صالحية دمشق وارتحل إلى بعلبك وهذه المدينة تُعتبر بعد الصَّالحية بدمشق من أكثر مراكز الحنابلة ازدهارًا بالعلم والعلماء فى تلك الفترة.
جاء فى ترجمته (١): "ورحل إلى بعلبك فقرأ بها على أبى حفص ابن السّليمى وخلقٌ من أصحاب ابن الرَّعبوب، وقرأ تتمة "صحيح البخارى"، و"مسند الحميدى"، و"المنتخب لعبد بن حميد" و"مسند الدارمى"، وتفقه بالشيخ تقى الدين ابن قندس. . .".
جاء فى ترجمة (بدر الدين حسن المَرْدَاوِىّ ت ٩١٠ هـ) فى النَّعت الأكمل (٢): "رحلَ إلى بعلبَكَّ مع ابن المبرد"، وقال: "ولما رحل إلى بعلبك صحبه الجمال ابن المبرد سمع بها غالب مسموعاته".
وفى الضوء اللَّامع (٣): "أنه حج سنة (٩٨ هـ).
ووصفه تِلميذه ابن طُولون (٤) بـ "الرحلة".
ولم أجد من المعلومات ما يفيد بكثرة رحلاته، ولا أدرى هل دخل مصر - التى هى من أكبر مراكز الحضارة فى ذلك الوقت - أو لا ويفيد قول المؤرخين: "وأجازه من مصر. . . "، أنه لم يدخلها ولم يقرأ على علمائها؛ لأن الِإجازة قد تحصل بالمكاتبة.
_________
(١) السحب الوابلة: ٣٢٠.
(٢) النعت الأكمل: ٧٤، ٧٧.
(٣) الضوء اللامع: ١٠/ ٣٠٨.
(٤) السحب الوابلة: ٣١٩.
مقدمة / 17
ثناء العلماء عليه:
أثنى عليه كثير من العلماء الذين عرفوه، وقدروه قدره وأنزلوه منزلته، سواء أكانوا من تلاميذه الذين جالسوه وعرفوه عن قرب، أم من أفاضل المؤرخين الذين رووا أخباره، ووقفوا على آثاره، ونهلوا من معينه، وشاهدوا من مؤلفاته ما يدل على علمٍ وفضلٍ وصدقٍ وإخلاصٍ وتَفَانٍ فى النّصحية لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، فقد حرص ابن عبد الهادى على وصل حلقات العلم كما تلقاها عن العلماء من شيوخه، ومنْ بَعْدِهِ قامَ به المخلصون من العلماء حتى وصل إلى عصرنا صافيًا نقيًا لَا تَشوبه الشَّوائب، وذلك بفضل الله ثم بفضل المخلصين من أهل العلم أمثال ابن عبد الهادى ﵀ الذى "أجمعت الأمة على تقدمه وإمامته وأطبقت الأئمة على فضله وجلالته" (١).
وصفه تلميذه شمس الدين محمد بن على بن أحمد بن طولون الدمشقى (ت ٩٤٤ هـ) (٢) - وهى مؤلف سيرته - بـ "الشيخ الِإمام علم الأعلام المحدّث الرُّحَلَة العلَّامة الفهَّامة العالم العامل المنتقى الفاضل جمالِ الدين أبِي المحاسن وأبى عمر. . . . ".
ووصفه عبد القادر بن محمد بن عمر النُّعيمى محيى الدين الدمشقى (ت ٢٩٧ هـ) (٣) بـ "الشيخ العالم المصنف المحدث".
_________
(١) مختصر طبقات الحنابلة للشطى: ٧٤.
(٢) السحب الوابلة: ٣٠٩، نقلا عن سكردان الأخبار لابن طولون.
(٣) السحب الوابلة: ٣٠٩، نقلا عن جار الله بن فهد الهاشمى عن عنوان الزمان للنعيمى (مخطوط).
مقدمة / 18
ووصفه محمد بن أحمد نجم الدين الغَيطى (ت ٩٨١ هـ) (١) بـ "الحافظ".
وقال محمد بن محمد نجم الدين الغَزِّى (ت ١٠٦١ هـ) (٢) "الشيخُ الِإمامُ العلامةُ المصنِّفُ المحدث".
ووصفه الِإمام عبد الحي بن العماد الحنبلى (ت ١٠٨٩ هـ) (٣) بقوله: "كان إمامًا علَّامةً يغلبُ عليه الحديثُ والفقهُ، يشارك فى النَّحوِ والتَّصريف والتَّصوف والتَّفسير. . . ثم قالَ: درَّس وأفتى. . . ".
وقال محمد بن محمد كمال الدين الغَزِّى (ت ١٢١٤ هـ) (٤) "هو الشيخ الِإمام العلَّامة الهُمام، نخبةُ المحدثين، عمدةُ الحفاظ المسندين بقيةُ السَّلف، قدوةُ الخلفِ. كانَ جبلًا منِ جبالِ العلمِ وِفردًا من أفرادِ العالمِ، عديمَ النظيرِ فى التَّحريرِ والتَّقريرِ آيةَ عُظمى وحجَّةَ من حججِ الِإسلام كُبرى بحرٌ لا يُلحق له قرارٌ، وبرُّ لا يشق له غبارٌ، أعجبوةُ عصرِه فى الفُنون، ونادِرَةُ دهرِهِ، الذى لم تسمَح بمثله السنون. . .".
كما أثنى عليه الكَتَّانى ﵀ بقوله: "هو الحافظ جمال الدين. . . ثم قال: من أعيان محدثي القرن العاشر المشهورين بكثرة التَّصنيف وسعة الرواية".
_________
(١) له مشيخة جيدة (مخطوطة) لم أطلع عليها بعد. والنص من فهرس الفهارس: ١١٤١ عنه.
(٢) الكواكب السائرة: ١/ ٣١٦.
(٣) شذرات الذهب: ٨/ ٤٣.
(٤) النعت الأكمل: ٦٨.
مقدمة / 19
وقال جَميل الشَّطى (١): "إمامًا جليلًا عالمًا نبيلًا أَفنى عمره بين علمٍ وعبادةٍ وتصنيفٍ وإفادةٍ".
مؤلفاته:
ألف ابن عبد الهادى فى فنون متعددة من العلم كتب الرسائل ونظم الشعر فى المناسبات الخاصة والعامة، ونظم بعض الفنون يعينه على ذلك ذكاؤه المفرط وقريحته الجيِّدة وسرعةُ حفظِه وكثرةُ كتابته وسرعةُ قلَمه فى الكتابة.
قال ابن طولون (٢): "وأقبل على التصنيف فى عدة فنون حتى بلغت أسماؤها مجلدًا رتبها على حروفِ المُعجم، وكان الغالب عليه فن الحَديث.
قال السَّخاوى (٣): "وبلغنى أنه خرَّج لخديجة بنت عبد الكريم "أربعين" وكذلك لغيرها، وعرف بالحديث فى بلده، مع كثرة التخريج فيه".
قال الشطى (٤): "غالب مؤلفاته أجزاء".
ونقل جار الله بن فهد عن النُّعيمى (٥) فى كتابه العنوان قوله: "وقد صنَّف كثيرًا من غيرِ تحريرٍ - انتهى -".
_________
(١) مختصر طبقات الحنابلة: ٧٧.
(٢) السحب الوابلة: ٣١٩، فى النعت الأكمل: ٦٩ قال: "وله من التصانيف ما يزيد على أربعماية مصنف وغالبها فى علم الحديث والسنن".
(٣) الضوء اللامع: ١/ ٣٠٨.
(٤) مختصر طبقات الحنابلة: ٧٧.
(٥) السحب الوابلة: ٣١٩.
مقدمة / 20
ولكنَّ ابن حميد النَّجدى لم يرضَ بمثل هذا القول فقال معقبًا عليه. قلت: بل تصانيفه فى غاية التحرير. . . ." (١).
وأرى أن أغلب مؤلفات ابن عبد الهادى بالصفة الذى ذكر النُّعيمى ينقصها التَّحريرُ والضَّبطُ والمُراجعةُ، فهى أشبه بمذكرات خاصة أو أصول (مسودات) لم تكتمل بعد.
وكأن الإمام ابن عبد الهادى فى سباق مع الزَّمن يريد أن يصل إلى أكبرِ قدرٍ ممكن من المؤلفات، كثيرٌ من مؤلفاته نقولٌ وردودٌ وتخريجاتٌ حديثية ورسائل صغيرة.
وكثرة مؤلفات ابن عبد الهادى من سمات عصره فهو فى عصر السيوطى (ت ٩١١ هـ)، والسخاوى (ت ٩٠٢ هـ)، والشيخ زكريا الأنصارى (ت ٩٢٦ هـ)، ثم ابن كمال باشا (ت ٩٤٠ هـ). . . وغيرهم ويمكن الجمع بين قول النُّعيمى وقول ابنِ حُميدٍ، وذلك أنه من خلال اطّلاعى على كثيرٍ من مؤلفات ابن عبد الهادى أقول: إن بعض مؤلفاته مراجعة متقنة محكمة التأليف مثل "مغنى ذوى الإفهام" و"التبيين. . ."، و"الدُّرُّ النَّقى"، و"الميرة فى حل مشكل السيرة" و"ثمار المقاصد". . . وغيرها.
لكن كثيرًا من مؤلفاته أيضًا هى كما وصف النعيمى ﵀ غير محررة ولا مراجعة؛ لأنه لم يفرغ لمراجعتها واستيفائها، فلعل ابن حُميد وقف على المحرر منها فظنها جميعا بهذه المثابة. ويحمل كلام النُّعيمى على أنه يقصد من غير تحرير فى غالبها.
ومع كثرة مؤلفات ابن عبد الهادى لم يطبع منها إلا القليل جدا؟!
_________
(١) المصدر نفسه: ٧٧.
مقدمة / 21
وذلك راجع إلى:
- أنه ترك بعض مؤلفاته مسودات لم تبيض فكثرت فيها الِإضافات والِإلحاقات فى جوانبها حتى صعب على الباحث إعادة كل نصٍّ إلى موضعه - أنه ترك بعض هذه المؤلفات ناقصة، فى داخلها بياضات كثيرةٌ يريد أن يملأها فلم تُتح له الفرصة فبقيت هذه المصنفات مبتورة.
أو هى أجزاء بدأها من الأول فلم يتمها.
- رداءة خط ابن عبد الهادى إلى درجة يتعذَّر معه قراءة بعض الجمل والعبارات مما جعل كثيرًا من النساخ لا يتجاسر على نسخها واستخراجها من خطه فبقيت بخطه إلى يومنا هذا.
قال الشيخ جميل الشطى (١): "وكان كثير الكتابة سريع القلم قل من يحسن قراءة خطه لاشتباكه وعدم إعجامه".
وقال ابنُ كنان فى كتابه الذى لخص فى تاريخ الصالحية لابن عبد الهادى (٢): "وبعد فقد سنح بالبال تلخيص تاريخ الصالحية للإِمام الحافظ يوسف. . . بحسب ما أمكن من الاطلاع من خطه".
ولعل الذى ألجأه إلى تلخيصه عدم قدرته على نسخه واستخراجه من خطِّه كاملا.
ولا أستطيع أن أعرض نما هذه المقدمة الموجزة عن حياة الحافظ يوسف بن عبد الهادى ﵀ بكل مؤلفاته أو أغلبها؛ لأن مثل
_________
(١) مختصر طبقات الحنابلة: ٧٧.
(٢) مُقدمة المروج السُّندسيّة.
مقدمة / 22
هذا الصنيع يحتاح إلى مؤلفٍ خاصٍّ لكثرةِ مؤلفاتِه وتشعُّبِها واختلاف فنونها.
وقد كفانا هذه المهمة الأستاذ محمد أسعد طلس فعرض بعض مؤلفات ابن عبد الهادى عرضا جيدًا ذاكرًا أهم ما يحتاج إليه الباحث من التَّعريف بها فى مقدمة تحقيقه كتاب (ثمار المقاصد) للمؤلف المطبوع فى المعهد العلمى الفرنسى بدمشق بمطبعة مكتبة لبنان ببيروت سنة (١٩٧٥ م) وقدّم إهداءه إلى العلامة الجليل محمد بك كرد على رئيس المجمع العلمى بدمشق آنذاك، وذلك فى ٣ ذى القعدة سنة (١٣٦١ هـ، ١٩٤٢ م).
ثم قام الأستاذ صلاح محمد الخيمى مدير دائرة المخطوطات بدار الكتب الوطنية الظاهرية بدمشق بإعداد مقالة للتعريف بمؤلفات ابن عبد الهادى رتبها على حروف المعجم أولا، ثم أشار إلى الوجود منها وحدد مكان وجوده ونشر مقالته تلك فى مجلة معهد المخطوطات العربية الصادرة بالكويت فى رمضان سنة ١٤٠٢ هـ (المجلد السادس والعشرون جـ: ٢)، (ص: ٧٧٥ - ٨١٢).
وقد عرض لأخباره ومؤلفاته عرضا سريعا، معتذرا عن ذلك بأنه قام بدراسة وافية سيفردها بمؤلف يصف فيه مؤلفات ابن عبد الهادى التى تمتلكها دار الكتب الظاهرية؟! وأنه اختصر هذه المقالة منها.
أرجو أن تتاح له الفرصة فى نشرها وأن لا يقتصر على مخطوطات الظاهرية فقط لتعم الفائدة منها فى سائر مؤلفات ابن عبد الهادى فى المكتبات العالمية.
مقدمة / 23