والدكتور غوستاف لوبون ليس بدعا من الفلاسفة، فقدما سارت حكمهم وأمثالهم مسير الشمس في الفلك والنور في الحلك يتناقلها الرواة ويشيد بذكرها الركبان، يرد نميرها الملك والأمير، ويهتدي بهديها الغني والفقير. هذا، ومكانة صاحب هذا المؤلف مكانته بين فلاسفة الغرب والشرق ومنزلته منزلته عند رجال الحكمة وأمراء البيان.
ولذا اعتنى علماء الأمم وكتابها بجميع ما خط يراع هذا الفيلسوف العظيم، وفي مقدمة هؤلاء الأستاذ العلامة المرحوم أحمد فتحي زغلول باشا.
فقد كان لهذه المؤلفات منزلة خاصة في نفسه، جعلته يحرص كل الحرص على ترجمتها وتعميم فائدتها، فنقل إلى اللغة العربية منها «سر تطور الأمم» و«روح الاجتماع» وهذا الكتاب، وحالت المنية بينه وبين إتمام ترجمة باقيها.
ولما كانت هذه الكتب مما تحتاج إليه الأمم الشرقية، لا سيما في أيام نهضتها ودور انتقالها، آثرنا إعادة طبعها ونشرها إلى الناس، فنشرنا لهم: سر تطور الأمم، وروح الاجتماع، وهذا الكتاب. والله نسأل أن يوفقنا لخدمة هذه الأمة والعمل لمصلحتها، والسلام.
القاهرة في مارس سنة 1922
مقدمة المؤلف
الغرض من هذا الكتاب تلخيص بعض الأفكار المنثورة في مؤلفاتي على اختلاف أنواعها، وإبرازها في صورة قضايا جامعة؛ لأن الصيغ المختصرة تأخذ باللب، وتبقى في الذاكرة، ولذلك شاعت جوامع الكلم في عالم الأدب.
يتناول العقل أكثر الحقائق المقررة عندنا، أعني ما يرتسم فيه من صور المعلومات على شكل أفكار موجزة، وما فتئ الناس يلخصون تجاربهم في قضايا وحكم ترسل أمثلة، هي جوامع كلم الأمم، فالمرء يفكر بواسطة القضايا الموجزة، ويسير في حياته مدفوعا بها؛ ذلك لأنها تعفيه من إطالة التفكير قبل الإقدام على فعل ما يريد.
بجانب هذه المزايا مضار. فالمثل خلاصة تقريرات ينبغي للمرء أن يستحضرها، فإذا سهل تصور الدليل، كان المثل صيغة من البديهي، وإذا عسر تناول ذلك تعذر فهم المراد منه، ويظهر من ذلك أنه لا يفيد إلا في استحضار الحقائق الإجمالية البديهية غالبا، وذلك هو الواقع في معظم الأمثلة، ولكني لم أحجم عن ضم بعض القضايا، وإن صعب إدراك الغرض منها وحدها لأول وهلة؛ لأنها مبسوطة في مؤلفاتي، فهذا المختصر جامعها.
غوستاف لوبون
Bog aan la aqoon