Jawaahir Tafsiir
جواهر التفسير
Noocyada
واختلف في المراد بالأرض هنا، فقيل أرض المدينة، وعليه ف (أل) للعهد الذهني، للعلم بأن القرآن كان يتحدث عن المنافقين الموجودين في عصر النبوة، وكانوا منبثين في أنحاء المدينة المنورة وما حولها، وقيل بل المراد بالأرض الكرة الأرضية وما فيها من الناس والحيوانات والنبات والجماد والنواميس والأنظمة، لانعكاس أثر الفساد على ذلك كله، فإن الأرض جزء من مملكة الله الواسعة تربطها بسائر الأجزاء نواميس وأنظمة، وسنن وطبائع، وفي خروج الانسان عن منهج الله إخلال بهذه الرابطة، ونقض لعرى هذه الوحدة.
وأنت إذا تدبرت ما أسلفناه من أن الحديث عن المنافقين في القرآن لا ينحصر في تلك الطائفة التي كانت في عهد النبوة، وأنه يتجه إلى كل من شاكلهم في أي عصر، أدركت رجحان الرأي الأخير، على أنه مما ينبغي ألا يغفل عنه أن في ذكر الأرض تنبيها لأولئك المفسدين المخاطبين بأن عاقبة فسادهم تنقلب عليهم بالمضرة، وتعود عليهم بالخسران، فالأرض مهادهم في حياتهم، عليها يستقرون، ومثواهم بعد مماتهم إليها يرجعون، ومصدر كثير من نعم الله عليهم، وقد أعدت بما جهزت به من مختلف الطبائع لأن تكون صالحة للاستقرار، ومتلائمة مع سنن الكون ونواميس الوجود، ففساد المفسدين فيها ينعكس أثره السلبي عليها، ولذلك تكرر تحذير الانسان من الافساد في الأرض، وتوبيخ المفسدين فيها في آي القرآن، نحو قوله عز وجل:
ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها
[الأعراف: 56]، وجاء في القرآن ما يدل على أن الاستقامة على منهج الله من أسباب استمرار الخير، وحصول المنافع، وتتابع النعمة، فالله تعالى يقول:
وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم مآء غدقا
[الجن: 16]، ويحكي عن نوح - عليه السلام - قوله لقومه:
استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السمآء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا
[نوح: 10 - 12]، وكثيرا ما تكرر في القرآن تذكير الانسان بنعمة الله عليه بخلق الأرض وما فيها لأجله، وبتهيئة أسباب عيشه وراحته فيها، ومنه قوله تعالى:
والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها مآءها ومرعاها والجبال أرساها متاعا لكم ولأنعامكم
[النازعات: 30 - 33]، وقوله:
Bog aan la aqoon