222

" وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم "

بعد قوله " آية المنافق ثلاث ". وفي رواية لهما وللترمذي والنسائي مثل ما تقدم ولكن بإبدال

" إذا ائتمن خان "

من قوله " إذا عاهد غدر ". وأخرج النسائي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال:

" ثلاث من كن فيه فهو منافق؛ إذا حدث كذب وإذا ائتمن خان وإذا وعد أخلف فمن كانت فيه واحدة منهن لم تزل فيه خصلة من النفاق حتى يتركها ".

وأخرج البخاري عن زيد بن عبدالله بن عمر قال: قال ناس لابن عمر: إنا لندخل إلى سلطاننا وأمرائنا فنقول لهم بخلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عندهم، فقال: كنا نعد هذا نفاقا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو نص في أن الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يعدون مخالفة الحق في العمل من النفاق، وهذا هو قول أصحابنا - رحمهم الله - وهو الذي اعتمده الحافظ بن حجر في شرحه لأحاديث النفاق من صحيح البخاري، وعزاه كل من ابن حجر والعيني في شرحيهما على البخاري إلى القرطبي، وعزاه العيني إلى الخطابي ونسبه الترمذي في جامعه إلى أهل العلم.

قسما النفاق:

وبهذا يتبين لك أن النفاق ينقسم إلى: نفاق عقيدة، ونفاق عمل.

وبما أن كثيرا من علماء المذاهب ينكرون نفاق العمل ولا يرون النفاق إلا في إبطان خلاف الظاهر من الاعتقاد، أشكلت عليهم هذه الأحاديث، وجرهم ذلك إلى تأويلها بما يتفق مع رأيهم، وإن خالف ظاهر مدلولها. والحق أن الكتاب والسنة فوق الآراء والمذاهب، فيجب أن تخضع لهما الآراء دون العكس، وليس في نسبة ثلاث خصال أو أربع إلى النفاق ما يمنع من كون النفاق العملي ينسحب حكمه على كل ما خالف الدين من الأعمال، فإن ذكر هذه الخصال لا يقتضي الحصر، وإنما هو من باب التمثيل والتقريب للأذهان، ومما هو ظاهر بداهة أن التمثيل بها دال على خطورتها، ومقتض للتحذير منها والعدد هنا ليس له مفهوم.

والنوع الأول من النفاق هو الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما هاجر إلى المدينة، ولم يكن في عهد الدعوة المكي وجود للمنافقين، إذ لم يكن ثم مناخ ملائم لنبت النفاق، فقد كان السلطان بأيدي المشركين وكان المسلمون معرضين للأذى من قبلهم، فلم يكن داع لأن يتملق أحد إلى المسلمين بإعلان الاسلام مع استسرار ضده كما ألمحت إلى ذلك في مقدمة تفسير هذه السورة.

Bog aan la aqoon