بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي ختم الشرائع بأسمحها طريقة. وأوضحها حقيقة، وأظهرها برهانا، وأكثرها أعوانا. واصطفى لوحيه أشرف الأنبياء قبيلة، وأقربهم إليه وسيلة المبعوث آخر الأمم محمد (صلى الله عليه وآله) وعترته الذين هم لمعجزة نبوته وقرآن معجزته وآية رسالته.
وبعد فيقول العبد القاصر العاثر (محمد حسن بن المرحوم الشيخ باقر) أحسن الله إليهما وأذاقهما حلاوة نشأتيهما: إني قد رأيت (كتاب الشرائع) من مصنفات الإمام المحقق المدقق (نجم الملة والدين) أسكنه الله في أعلى عليين قرآنا في الأحكام الشرعية، وفرقانا في العلوم الفقهية، فائقا من تقدمه إحاطة وجزالة وإتقانا، وأنموذجا لمن تأخر عنه، ولسانا. وكثيرا ما كنت أتمنى وأرجو من الله سبحانه فضلا منه ومنا أن أمزجه بشرح يكشف للناظرين لثام قواعده ويفتق أكمام شقائقه، ويخرج للعارفين كنوز فوائده ويوضح للمتأملين رموز دقائقه، ويعرف الماهر الخبير انطباق المسائل على قواعدها وارتباط الدلائل بمقاصدها، ويوقف الناقد البصير على مزال أقدام شراحه، ويرفع الاجمال، ويدفع الاشكال عن المطالب بحسن تحريره وإيضاحه، ويشتمل على ذكر الأقوال ومستندها بأوجز عبارة، وبين الحال في تزييف غير
Bogga 2
معتمدها تصريحا وإشارة. لكن العوائق تمنعني والحوادث تردعني، غير أني قابلتها.
بعزمة دونها العيوق منزلة وساعد ليس تثنية الملمات - فاستخرت الله عز وجل وشرعت فيما كنت أتسوف وأتعلل، وسميته (جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام) والله سبحانه أسأل أن يجعله خير الزاد ليوم المعاد، وأن يقرنه بالتوفيق لتمام المراد ويمده بالتأييد والسداد، فإنه أكرم من سئل فجاد. قال قدس سره:
(كتاب الطهارة) الكتاب: مصدر ثان لكتب من الكتب بمعنى الجمع، أو ثالث بادخال الكتابة، أو رابع بادخال الكتبة. أي هذا مكتوب فيه مباحث الطهارة، أو مجموعة مسائل الطهارة، أو ما يجمع به مباحثها، كالنظام لما ينظم به. ويحتمل أن يكون منقولا عرفيا. كما أنه ربما احتمل أن يكون مجموع الكلمتين علم جنس أو اسم جنس لما يتعلق بها، ولا يضر تفاوتها زيادة ونقصا، وإن قدح ذلك في العلم الشخصي.
لكنه مع بعده في نفسه يزيده إعادته بلفظها أو بضميرها وذكر التعريف، فليتأمل.
وعبر عما يجمعها بالكتاب دون المقصد والمطلب، لاتحاد مسائله بالجنس واختلافها بالنوع، بخلاف الثاني فإنه اسم لما يجمع المسائل المتحدة في النوع المختلفة في الصنف، ومثله الباب والفصل. والثالث فإنه للمتحدة في الصنف المختلفة بالشخص. كذا قيل لكنه غير مطرد، نعم الظاهر أن المناسبة بين مسائل المقصد والمطلب يعتبر كونها أتم من مسائل الكتاب.
و (الطهارة) مصدر طهر بضم العين وفتحها، والأسم الطهر لغة: النظافة والنزاهة يقال: ثياب طاهرة، أي من القذر والوسخ، وهو المناسب للاستعارة للذنوب والحيض
Bogga 3
وسوء الخلق، ولذا استدل على ذلك بقوله تعالى: (ويطهركم تطهيرا) (1) (وأزواج مطهرة) (2) أي من الحيض وسوء الخلق. ولعله ظاهرا من باب استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، أو في القدر المشترك، وهو أولى و (إن الله اصطفاك وطهرك) (3) أي نزهك و (أناس يتطهرون) (4) أي ينتزهون، وفي القاموس: إن الطهارة نقيض النجاسة، وعن الطراز: طهر طهرا بالضم وطهارة بالفتح، نظف ونقي من النجس والدنس. وهما يرجعان إلى ما تقدم.
وعرفا على ما هو المعروف كما قيل، بل عن آخر أنه عليه أكثر علمائنا (اسم للوضوء أو الغسل أو التيمم على وجه له تأثير في استباحة الصلاة) فيخرج وضوء الحائض والتجديدي والأغسال المندوبة ووضوء الجنب والتيمم للنوم ونحو ذلك. أو أنها لها مع التأثير في العبادة إباحة أو كمالا، فيدخل فيها بعض ما تقدم، وإن خرج منها أيضا الأغسال للأوقات والغسل بعد التوبة فهي أعم من الأول. أو أنها لها مطلقا، فيدخل فيها جميع ما ذكرنا. أو أنها لها على أحد الوجوه الثلاثة مع إزالة الخبث الشرعي. فتكون حينئذ الاحتمالات ستة. لكن الظاهر مراعاة الصحة في السابقين:
إما لأن لفظ الطهارة خارج من بين أسماء العبادات فلا يجري فيه النزاع أنها للأعم أو للصحيح. بعد اعتبار الاستباحة فعلا في مفهومها على وجه لا يكون الفاسد طهارة، أو يكون المعرف إنما هو الصحيح. وكيف كان فهل هي عبارة عن نفس الأفعال، أو الحالة الحاصلة بعدها من الإباحة، أو ما يجده الانسان من القرب الروحاني في الثلاثة الأول، أو الأعم؟ احتمالات، وتكثر بملاحظة الضرب مع المتقدمة. إلا أن الأقوى الأول هنا، لتبادره. كما أن الأقوى الأول أيضا بالنسبة للستة، لعدم ثبوت غيره، ولأنه المعروف بين المتشرعة كمعروفية البحث فيه عنه، ولقوله (عليه السلام) في الحائض:
Bogga 4
" أما الطهر فلا " (1) ولا غناء المعنى اللغوي في إزالة النجاسة فلا يتكلف مؤنة النقل لكن قد يستدل على شمولها لإزالة النجاسة بالتبادر، وبكثرة إطلاقها في الكتاب والسنة ولسان المتشرعة، وباستبعاد جعل البحث عنها بالعرض. كما أنه قد يستدل على شمولها لغير المبيح بتقسيم الطهارة إلى واجبة ومندوبة، وتقسيم الثانية إلى المبيح وغيره، وبأن ما تفعله الحائض وضوء وكل وضوء طهارة. وفيه أن التبادر المدعى ممنوع، ولاستعمال في الكتاب والسنة في الغالب مع المعنى اللغوي وبدونه مع القرينة، واستعمالها في لسان المتشرعة قد عرفت أن المعروف ما قلنا، كما صرح به الشهيد على ما ستسمع، والاستبعاد يهون أمره أنه ليس عرضا بحتا بل له تعلق بالطهارة الحدثية، والتقسيم المشهور إنما هو تقسيم الثلاثة وهو لا ينافي كونها اسما للمبيح منه، وإن وقع في كلام بعضهم تقسيمها فلا بد من التزام كون المقسم أعم من المعرف للتصريح الأول والظاهر لا يعارضه. والقول بأن كل وضوء طهارة مصادرة محضة. نعم يحتمل القول باختصاص لفظ (الطهارة) في ذلك بخلاف باقي المشتقات كطهر وطهور وطاهر، ويؤيده أنه وجه الجمع بين نصهم هنا على كونها اسما للمبيح، وبين استدلالهم بمثل هذه الألفاظ على إزالة النجاسات كلفظ الطهور ونحوه قال الشيخ في الخلاف: " الطهور عندنا هو المطهر المزيل للحدث والنجاسة " وعن التبيان وفقه القرآن ومجمع البيان وغيرها " طهورا أي طاهرا مطهرا مزيلا للأحداث والنجاسات " إلى غير ذلك. ولعله أولى من التزام الوضع حتى في لفظ الطهارة للقدر المشترك الشامل لإزالة النجاسة، دفعا لمحذور الاشتراك أو المجاز والتحكم لازم من التخصيص، مع شيوع استعمالها في الأعم في كل من نوعيه بحيث لا يقصر بعضها عن بعض. ويحمل التعريف حينئذ على خصوص الطهارات التي هي نوع من العبادات، فتخرج الإزالة وتدخل في الخطابات الشرعية، ويزول
Bogga 5
الاشكال عن التفسير والاستدلال، بل يرتفع الخلاف بين القول بدخولها وخروجها، واختاره العلامة الطباطبائي، وهو لا يخلو من قوة. إلا أن الأقوى خلافه، لما فيه من التجشم في تأويل ما لا يقبل التأويل من التصريح الواقع من بعضهم وغيره، مع أن دعوى شيوع استعمال لفظ الطهارة في ذلك في حيز المنع، فلعل ما ذكرنا من الفرق بينها وبين غيرها من التصرفات أولى، ولا يلزم من نقل المشتقات نقل المصدر، بل هو منقول لمعنى آخر، ولا يشترط وجود المشتق منه معها بل يكفي اقتطاعها منه بذلك المعنى، فليتأمل.
لا يقال إن النزاع في نحو ذلك ما هو إلا اختلاف اصطلاح، لأنا نقول أنه نزاع في إثبات المعنى المتشرعي الذي هو ضابطة للحقيقة الشرعية ما لم يعلم الحدوث، كما يظهر من تحرير محل النزاع فيها، وقد وقع تعريفها على لسان كثير من علمائنا (رحمهم الله) فعن الشيخ في النهاية " إن الطهارة في الشريعة اسم لما يستباح به الدخول في الصلاة " وعن القاضي ابن البراج في الروضة كذلك بزيادة " ولم يكن ملبوسا أو ما يجري مجراه " وعن المهذب والموجز: " إنها استعمال الماء والصعيد على وجه يستباح به الصلاة أو تكون عبادة تختص بغيرها " وعن الشيخ في المبسوط والاقتصاد: " الطهارة عبارة عن إيقاع أفعال في البدن مخصوصة على وجه مخصوص يستباح به الصلاة " وعن ابن إدريس أنه ارتضاه، وعن قطب الدين الراوندي " إن الاحتراز التام أن الطهارة الشرعية هي استعمال الماء أو الصعيد نظافة على وجه يستباح به الصلاة وأكثر العبادات " وعن نجيب الدين محمد بن أبي غالب في المنهج الأقصد (1) " الطهارة الشرعية هي إزالة حدث أو حكم لتؤثر في صحة ما هي شرط فيه " وعن المصنف في المعتبر " أنها اسم لما يرفع حكم الحدث " وعن المسائل المصرية " أنها استعمال أحد الطهورين لإزالة الحدث
Bogga 6
أو لتأكيد الإزالة " وعن العلامة في التحرير والتلخيص " الطهارة شرعا ما لها صلاحية التأثير في استباحة الصلاة من الوضوء والغسل والتيمم " وعن بعض كتبه هي " وضوء أو غسل أو تيمم يستباح به عبادة شرعية " وفي القواعد: " الطهارة غسل بالماء أو مسح بالتراب متعلق بالبدن على وجه له صلاحية التأثير في العبادة " وعن علي بن محمد القاشي " إنها إذا أخذت صحيحة استعمال طهور مشروط بالنية " وعن الشيخ أبي علي في شرح النهاية " إنها التطهير من النجاسات ورفع الأحداث). ولعله وافق بذلك بعض العامة، وإلا فالمعروف بين أصحابنا كما أشرنا إليه سابقا أن إزالة الأخباث ليست من الطهارة.
ومن هنا قال الشهيد في نكت الرشاد: " إن إدخال إزالة الخبث فيها ليس من اصطلاحنا " وفي كنز العرفان " وقد تطلق مجازا بالاتفاق على إزالة الخبث عن الثوب والبدن " وعن بعضهم " إنها وضع الطهور مواضعه " وعن الجرجاني تعريفها " بماله صلاحية رفع الحدث أو استباحة الصلاة مع بقائه ".
قلت: وهل اختلاف هذه التعاريف هو بعد الاتفاق على معنى ولكنهم يختلفون في التعبير عنه إما لتسامح أو غيره، أو أن هذا الاختلاف لاختلاف في المعنى لكون الطهارة اسما لصحيح أو للأعم، أو أنها لما تشمل إزالة الأخباث مثلا أو لا، أو أنها تشمل وضوء الحائض أو لا، أو أنها تشمل الأغسال المندوبة أو لا، أو أنها تشمل الوضوء التجديدي أو لا؟ إلى غير ذلك الذي يظهر في النظر أن كثيرا من الاختلاف لاختلاف في المعنى، فلا وجه حينئذ للايراد (1) على البعض مثلا بخروج وضوء الحايض، وعلى آخر بدخوله، إذ قد يقول الأول أنه ليس طهارة والآخر طهارة، فكل يعرف على مذهبه، ويرجع النزاع حينئذ معنويا. وهذا الذي ينبغي أن يلحظ بالنسبة للاستقراء والتتبع، وإلا فكثير من الايرادات حتى نقل أنه اعترض على تعريف العلامة في القواعد بتسعة عشر اعتراضا لا ثمرة فيها، فمما رجع منها إلى
Bogga 7
ما ذكرنا كان للفقيه أن يتعرض له إذ لعله تترتب عليه فوائد بناء على ثبوت الحقيقة الشرعية، فاستقرئ وتتبع وتأمل جيدا. وإن أردت النقض في كثير من هذه التعاريف والابرام فانظر ما كتبه الشهيد في غاية المراد في نكت الإرشاد فإنه قد حاول الإحاطة لذلك. ولعل قيد (الاستباحة) في عبارة المشهور مع إرادة ما يقابل الحرمة التشريعية منه يقتضي عدم حصول الطهارة من المميز. إما لأن عبادته تمرينية، وإما لأن شرعية الوضوء منه أعم من كونه طهارة، كشرعية وضوء الحائض، مع احتمال حصول الطهارة به على أن يكون المراد من الاستباحة الصحة فتأمل جيدا.
(وكل أحد منها) أي الثلاثة المتقدمة (ينقسم إلى واجب وندب) دون باقي الأحكام وإطلاق الكراهة في بعض المقامات على ضرب من التأويل.
(فالواجب من الوضوء) وجوبا شرعيا ولو لوجوب مقدمة الواجب (ما كان لصلاة واجبة) أصلا أو عارضا وأجزائها المنسية إجماعا وكتابا وسنة (أو طواف واجب) في حج أو عمرة ولو مندوبين لوجوب إتمامهما إجماعا كما عن المنتهى وسنة (أو لمس كتابة القرآن إن وجب) لعارض ويأتي الكلام فيه في الوضوء إن شاء الله.
والظاهر من المصنف بل كاد يكون صريحه كالظاهر من غيره ممن حصر الغايات التي يجب لها الوضوء أنه واجب لغيره ولا يجب لنفسه وصرح به جماعة بل هو المشهور نقلا وتحصيلا، بل عن العلامة والكركي والشهيد الثاني نقل الاجماع عليه. ولعل الأمر فيه كذلك كما لا يخفى على من لاحظ كلماتهم في المقام وسيرتهم في كل عصر ومصر، من عدم الالزام والالتزام برفع الحدث الأصغر عند ظن الوفاة، عدم أمرهم المرضى به أو التيمم بدله مع وقوع الحدث غالبا منهم، وخلو المواعظ والخطب، وعدم الجواهر 1
Bogga 8
إشارة من أحد من الفقهاء لا في مقام الاحتضار ولا في غيره مع محافظتهم غالبا على المستحبات والآداب فضلا عن الواجبات. ومع ذلك كله فلم نعلم فيه خلافا، ولم ينقله أحد ممن يتعاطي نقل الشاذ من الأقوال، لكن الشهيد في الذكرى بعد أن ذكر الكلام في الغسل بالنسبة للوجوب النفسي والغيري قالا: " ربما قيل يطرد الخلاف في كل الطهارات لأن الحكمة ظاهرة في شرعيتها مستقلة " ويظهر للمتأمل في كلامه السابق أن هذا القول ليس لنا، ومما يدلك على هذا نقضه التمسك بالأوامر المطلقة الدالة على وجوب الغسل بأن حال هذه كحال أوامر الوضوء وغسل الأواني. ثم قال:
" وهم يوافقون على أن المراد بوجوبها المشروط " فقد يراد بالطهارة في كلامه باقي الأغسال لا الوضوء، لأن الخلاف إنما هو معروف في غسل الجنابة. ويظهر أيضا من المنقول عنه في القواعد أنه قول بعض العامة قال: " لا ريب أن الطهارة والستر والقبلة معدودة من الواجبات في الصلاة مع الاتفاق على جواز فعلها قبل الوقت والاتفاق في الأصول على أن غير الواجب لا يجزي عن الواجب، فاتجه هنا سؤال وهو أن أحد الأمرين لازم أما القول بوجوبها على الاطلاق ولم يقل به أحد أو يقال بالاجزاء وهو باطل " ثم قال: " وهذا الاشكال اليسير هو الذي ألجأ بعض العلماء إلى اعتقاد أن وجوب الوضوء أو غيره من الطهارات نفسي موسعا قبل الوقت وفي الوقت وجوبا مضيقا عند آخر الوقت، ذهب إليه القاضي أبو بكر العنبري وحكاه الرازي في التفسير عن جماعة، فصار بعض الأصحاب إلى وجوب الغسل بهذه المثابة " انتهى. وكيف كان فعبارة الشهيد في الذكرى هي التي أوقعت بعض المتأخرين في الوهم حتى عدوه قولا، وربما جنح إليه بعضهم. وعلى هذا التقدير فهم لا يمنعون الوجوب الغيري وتظهر الثمرة في نية الوجوب قبل الوقت وفي العقاب عند ظن الموت مع التمكن منه أو الوصول إلى حد التهاون عرفا، كما في غيره من الواجبات الموسعة.
لنا الأصل مع عموم البلوى به والاجماعات المنقولة فيه، في التيمم مع عموم
Bogga 9
البدلية المؤيدة بنفي الخلاف صريحا وظاهرا، مع السيرة القاطعة بين العوام والعلماء وخلو الخطب والمواعظ وعدم ذكر أحد له في الواجبات، لا سيما عند الاحتضار وعدم الالزام به من النبي (ص) والصحابة والتابعين والأئمة (ع) لأحد من المحتضرين من نسائهم وأصحابهم، وعدم أمر النبي (ص) أصحابه عند جهاد المشركين، ولا أمير المؤمنين في جميع حروبه لا سيما حرب صفين، ومفهوم قوله تعالى (إذا قمتم) (1) الدال على نفي وجوب الوضوء عند عدم الشرط. وما يقال إن المنفى إنما هو الوجوب لها لظهور المنطوق فيه وهو لا ينافي الوجوب النفسي، يدفعه شهادة العرف بخلافه، كما أنه يدفع أيضا احتمال عدم حجية المفهوم في خصوص المقام لمكان وجود فائدة له غير التعليق وهي التنبيه على شرطيته للصلاة، مع أن اعتبار مثل ذلك ساد لباب حجية مفهوم الشرط. وكذا ما يقال من أن المراد بالأمر بالغسل إنما هو الوجوب الشرطي دون الشرعي بدليل شمول الصلاة للنافلة ولا يجب ذلك شرعا لها اجماعا، بمنع الشمول أولا لتبادر العهدية الذهنية. وعلى تقديره فخروج النافلة عن الحكم الشرعي المستفاد من الأمر دون الوضعي المستفاد منه أيضا غير قادح، فتأمل. كما أنه لا يقدح تقييد وجوب الوضوء في الفريضة بما بعد دخول الوقت لعدم وجوبه قبله، إذ أقصاه زيادة قيود في سبب الوجوب ويكون المفهوم حينئذ عدم الوجوب عند عدمها أو عدم واحد منها. والحاصل أن خروج بعض ما يدخل في المنطوق لدليل كخروج ذلك من المفهوم أيضا لا يقدح فيما ذكرنا. ولقد وقع في المقام في المدارك ما يقضي منه العجب فلاحظ وتأمل، وكأن دلالة الآية على ما ذكرنا من الظهور لا يحتاج إلى التطويل، ولذا جعلها جماعة من الأصحاب قرينة على وجوب الغسل لغيره باعتبار عطف قوله تعالى: (وإن كنتم جنيا) (2) على ما هو كذلك كما ستسمعه في محله إن شاء الله، وقوله (عليه السلام) في خبر زرارة (3): " فإذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة "
Bogga 10
فإنه ظاهر بمقتضى المفهوم أنه إن لم يدخل الوقت فلا يجب الطهور ولا الصلاة، ومع استفادة التجدد والحدوث من لفظ وجب، فتأمل. وحمل الواو على المعية فيكون المعنى أنهما يجبان معا فإن لم يدخلا الوقت فلا يجبان معا ويكفي في صدق ذلك عدم وجوب الصلاة ووجوب الوضوء في غاية البعد مخالف لمقتضى الظاهر في الواو. وكذا ما يقال أن المراد إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة أي وجب كل واحد منهما فإن لم يدخل الوقت فلا يجب كل واحد منهما فيكون رفعا للإيجاب الكلي لما هو معلوم أن حرف العطف تقضي بأن المعطوف بمنزلة المعطوف عليه فهو في الحقيقة جواب شرط مستقل اختص بحرف العطف، على أنه لا داعي إلى هذه التمحلات الباردة. وما يقال إن ارتكابها لمكان وجود المعارض الصحيح (1) أن عليا (عليه السلام) كأن يقول: " من وجد طعم النوم قاعدا أو قائما فقد وجب عليه الوضوء " وقوله (عليه السلام) في صحيح زرارة (2): " إذا نامت العين والأذن والقلب فقد وجب الوضوء " وصحيح ابن خلاد: (3) " إذا خفي عليه الصوت فقد وجب عليه الوضوء " إلى غير ذلك مما أمر به بالوضوء بمجرد وجود هذه الأسباب، فإن ذلك كله يدل على وجوب الوضوء لنفسه، يدفعه أن ارتكاب مثل ذلك لا يصدر من فقيه ماهر، فإن ظاهر الآية والرواية المعتضدتين بما سمعت من الاجماعات المنقولة والسيرة التي كادت تكون قاطعة، بل يمكن دعوى تحصيل الاجماع، لا يعارضهما مثل هذه الظواهر، حتى أنه يرتكب التأويل في تلك دونها على أنه قد يدعى أنه لا ظهور فيها، بل المقصود منها إنما هو ثبوت الوضوء بهذا السبب عند مجئ الخطاب بما هو واجب له، واستعمال هذه العبارة في إفادة ذلك غير منكر، مثل ما جاء في السنة من الأوامر بغسل الأواني والثياب المتنجسات وغيرها مما
Bogga 11
لم يقل أحد بوجوب شئ منها لنفسه، بل يمكن دعوى الحقيقة العرفية في ذلك كما لا يخفى على من لاحظ كثيرا من نظائره والمسألة خالية من الاشكال بحمد الله تعالى.
(والمندوب من الوضوء) سواء كان رافعا لحدث أو لا (ما عدا الواجب) بالأصل أو بالعارض، وإن كان شرطا في صحة بعضها، ومن جهته أطلق عليه بعضهم اسم الوجوب مجازا.
وهو أمور:
(منها) - الصلاة المندوبة. والطواف المندوب، وطلب الحاجة، وحمل الصحف، وأفعال الحج عدا الطواف والصلاة، وصلاة الجنازة، وزيارة قبور المؤمنين، وتلاوة القرآن. ونوم الجنب، وجماع المحتلم، وجماع غاسل الميت ولما يغتسل، ولمريد غسل الميت وهو جنب، وذكر الحائض، والتأهب للفرض قبل وقته، والتجديد، والكون على طهارة، قال في الذكرى: كل ذلك للنص. وكفى بارساله حجة على جميع ما ذكرنا. وفي المدارك بعد أن ذكر هذه الأشياء وغيرها:
إلا مريد غسل الميت وهو جنب. وقيد جماع غاسل الميت ولما يغتسل بما إذا كان الغاسل جنبا، وكأنه فهم ذلك من الرواية التي ستسمعها، قال: " وقد ورد بجميع ذلك روايات ".
هذا مع ما يدل (على الأول) من الجماع المنقول عن الدلائل، إن لم يكن محصلا، بل في الحدائق أنه نقله جماعة. ومن كونه شرطا في صحتها بناء على أن مقدمة المستحب مستحب.
(وعلى الثاني) من شرطيته به على القول بها، ومن عموم المنزلة في وجه، ومن حمل بعض الأخبار المشعرة بالوجوب الشرطي عليه. وما في الذكرى أنه يستحب للطواف بمعنى الكمالية على الأصح للخبر. منه كذلك لما تعرفه في كتاب الحج إن شاء الله
Bogga 12
تعالى. ومنه يعلم أنه لا يجب له حتى لو نذر مثلا، ضرورة كونه كالوضوء لقراءة القرآن ونحوها مما هو شرط للكمال لا الصحة.
(وعلى الثالث) قول الصادق (عليه السلام) (1) في خبر عبد الله بن سنان:
" من طلب حاجة وهو على غير وضوء فلم تقض فلا يلومن إلا نفسه ". وما يقال من أنه لا دلالة فيه على استحباب الوضوء لذلك بل مفاده أنه ينبغي أن تطلب إذا كان الانسان على وضوء لأمر شرع له الوضوء كالصلاة ونحوها. فيه أن الظاهر من مثل هذه العبارة طلب الوضوء لها كما لا يخفى على من لاحظ أخبار التحنك ونحوها، فتأمل، ولا تغفل عن هذه المناقشة وجوابها، فإنها جارية في كثير ما تسمع. كما أن المناقشة بأن الموجود في الخبر الوضوء وهن أعم من الطهارة ضرورة صدقه على الصوري يدفعها ظهور إرادتها منه في كل مقام أمر به، لا ما جامع الحدث كما يشعر به مقابلتها به فيما ستسمع في صلاة الجنازة، مضافا إلى قوله (عليه السلام) (2): " لا ينقض الوضوء إلا حدث " ونحوه.
(وعلى الرابع) مع مناسبة التعظيم ما في خبر إبراهيم بن عبد الحميد (3): " لا تمسه على غير طهر ولا جنبا ولا تمس خيطه ولا تعلقه ". وعن بعض النسخ لا تمس خطه، واحتمال المناقشة في هذه الرواية بدلالتها على كراهية التعليق ونحوه دون ما نحن فيه من استحباب الوضوء، مدفوعة بتبادر الأمر بالوضوء لذلك من أمثال هذه العبارة.
(وعلى الخامس) قول الصادق (عليه السلام) (4) في خبر معاوية بن عمار:
" ولا بأس أن تقضى المناسك كلها على غير وضوء إلا الطواف بالبيت فإن فيه صلاة،
Bogga 13
والوضوء أفضل ". وفي كشف اللثام: أنه ورد في خصوص السعي والوقوف والرمي أخبار. ولعل التعبير بالمناسك كما وقع لبعضهم لهذه الرواية، لأن فيها المناسك.
وربما اشعر التعليل بجزئية الصلاة في الطواف يصح تعليل اعتبار الوضوء فيه بذلك، بعد ظهور إرادة ما كان بعض أفعال الحج بقرينة ذكر النسك، أما الطواف المندوب ابتداء الذي قد ذكرنا اعتبار الوضوء في كماله لا صحته فلعل الصلاة غير معتبرة فيه وإنما هي مستحبة فيه ولذا كان الوضوء فيه كذلك. بل قد يستشعر من هذا الخبر أن أصل المرسل المشهور (في الطواف بالبيت صلاة) (1) إلا أنه أسقط من أوله لفظ (في) فظن أنه من التشبيه ولا ينافي ذلك استفادة اعتبار بعض شرائط الصلاة لأن التعليل كاف فيه كالوضوء.
(وعلى السادس) ما رواه (2) عبد الحميد بن سعيد قال: " قلت لأبي الحسن (عليه السلام): الجنازة تخرج ولست على وضوء فإن ذهبت أتوضأ فاتتني أيجزيني أن أصلي عليها وأنا على غير وضوء؟ قال: تكون على طهر أحب إلي " كأن المراد بيان أفضلية الصلاة بطهر عليها مع عدمه، وإلا فلا ريب في أولوية الصلاة بدونه على عدمها كما فرضه السائل، أو يكون المراد أن الكون على طهر أولى من الصلاة على الجنازة بغير طهر.
Bogga 14
(وعلى السابع) أنه أفتى به جماعة، ولعله يكتفي به في المستحب، مع ما نقل عن الدلائل من أن في الخبر تقييدها بالمؤمنين، فهذا المرسل مع احتمال كونه غير المرسلين المتقدمين في الذكرى والمدارك كافية في ثبوته. في كشف اللثام: إني لم أعثر على نص بخصوصه. هذا كله في غير زيارة قبور أئمة المسلمين الذين زيارتهم زيارة الله تعالى شأنه. فإن النصوص الواردة في الطهارة لزيارتهم بل الغسل أكثر من أن تحصى، كما لا يخفى على من لاحظ الكتب المؤلفة في ذلك والله أعلم.
(وعلى الثامن) مع التعظيم، ما روي (1) عن الخصال قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : " ولا يقرأ العبد القرآن إذا كان على غير طهر حتى يتطهر " وما عن قرب الإسناد عن محمد بن الفضيل (2) قال: " سألت أبا الحسن (عليه السلام) اقرأ المصحف ثم يأخذني البول فأقوم وأبول وأستنجي وأغسل يدي وأعود إلى المصحف وأقرأ فيه، قال: لا، حتى تتوضأ الصلاة " والظاهر أن مراده مثل الوضوء للصلاة.
وفي كشف اللثام (3) لقول الصادق (عليه السلام) فيما وجدته مرسلا عنه: " لقارئ القرآن بكل حرف يقرأ في الصلاة قائما مائة حسنة وقاعدا خمسون حسنة ومتطهرا في غير الصلاة خمس وعشرون وغير متطهر عشر حسنات " وأرسل نحوه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) " انتهى. واحتمل الأستاذ في كشف الغطاء أنه تختلف مراتب الفضل بتفاوت فضل المقروء وقلته وكثرته. وفيه ما لا يخفى.
Bogga 15
(وعلى التاسع) ما رواه الحلبي (1) عن الصادق (عليه السلام) " سئل عن الرجل أينبغي له أن ينام وهو جنب؟ فقال: يكره ذلك حتى يتوضأ " وعن الغنية والمنتهى والتذكرة الاجماع عليه، وفي المعتبر يكره للجنب ذلك عليه علماؤنا. ولا يخفى أنه ليس الاستحباب هنا مبنيا على أن ترك المكروه مستحب، بل إما لأنه في خصوص المقام، أو لقوله (حتى يتوضأ). وفي الموثق (2) - على ما قيل -: " عن الجنب يجنب ثم يريد النوم قال: إن أحب أن يتوضأ فليفعل والغسل أحب إلي وأفضل من ذلك ". واحتمال القول بالجريان في كل محدث بالحدث الأكبر ضعيف، كضعف الاستدلال له بما دل على استحباب التطهر لمن أراد النوم الشامل للمقام، إذ هو مع الغض عما فيه لم يفد الاستحباب الخصوصي للجنب.
(وعلى العاشر) مع أنه نقل الفتوى به عن جمع من الأصحاب كالنهاية المهذب والوسيلة والجامع والشرائع والنافع والنزهة وكتاب الأشباه والنظائر وغيرها والمرسلين السابقين في الذكرى والمدارك، قد يستدل عليه بما ورد (3) من الأمر بالوضوء للمجامع إن أراد المعاودة.
(وعلى الحادي عشر والثاني عشر) ما رواه (4) شهاب بن عبد ربه قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الجنب أيغسل الميت؟ ومن غسل الميت أيأتي أهله ثم يغتسل؟ فقال: هما سواء لا بأس بذلك إذا كان جنبا غسل يديه وتوضأ وغسل الميت وهو جنب، وإن غسل ميتا توضأ ثم أتى أهله، ويجزيه غسل واحد لهما ". وفي كشف
Bogga 16
اللثام: ونحو ذلك عن الرضا (عليه السلام) والظاهر أن السؤال فيها وقع عن أمرين عن تغسيل الجنب الميت وعن جماع الغاسل وليس بجنب، وجواب الإمام (عليه السلام) على ذلك فإن كان تقييد صاحب المدارك جماع الغاسل بالجنب لهذه الرواية ففيه ما فيه وإن كان لغيره فهو أدري.
(وعلى الثالث عشر) الأخبار الكثيرة المتضمنة للفظ (عليها) وللأمر، ولذلك نقل عن علي بن بابويه القول بالوجوب، لكنه ضعيف للأصل، مع عموم البلوى به، المؤيد بالشهرة العظيمة، ولما في بعض الأخبار من لفظ ينبغي، وعن كتاب دعائم الاسلام (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: " إنا نأمر نساءنا الحيض أن يتوضأن عند وقت كل صلاة فيسبغن الوضوء ويحتشين بخرق ثم يستقبلن القبلة، إلى أن قال: فقيل لأبي جعفر (عليه السلام): إن المغيرة زعم أنك قلت يقضين. فقال:
كذب المغيرة ما صلت امرأة من نساء رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا من نسائنا وهي حائض. وإنما يؤمرن بذكر الله كما ذكرت ترغيبا في الفضل واستحبابا " هذا مع عدم صراحة كلامه في الخلاف إذ قد يحمل لفظ الوجوب على الثبوت كما وقع مثل ذلك في عبادته على ما قيل. وتمام الكلام فيه في الحيض إن شاء الله تعالى.
(وعلى الرابع عشر) مضافا إلى إمكان تعليله باستحباب الصلاة في أول الوقت، ولا يمكن إلا بتقديمه، ما رواه في الحدائق (2) عن الشهيد في الذكرى من قولهم (عليهم السلام): " ما وقر الصلاة من أخر الطهارة حتى يدخل الوقت " وعن النهاية أنه قال: للخبر. هذا مع أنه نقل أنه أفتى به في الوسيلة والجامع والنزهة والدروس والبيان والنفلية والمنتهى ونهاية الاحكام والدلائل، وقد تقدم ما في الذكرى، وكأنه
Bogga 17
مستغن عن الدليل لأن المعروف من السلف التأهب للفريضة والمحافظة على نوافل الزوال والفجر. فما في كشف اللثام أن الخبر لم أعثر عليه، وأما الاعتبار فلا أرى الوضوء المقدم إلا ما يفعل للكون على الطهارة، ولا معنى للتأهب للفرض إلا ذلك، غير واضح. والفرق بينه وبين الكون على الطهارة في غاية الوضوح.
(وعلى الخامس عشر) مضافا إلى نفي الخلاف عنه في كشف اللثام، الأخبار الكثيرة منها (1) " الوضوء على الوضوء نور على نور) وقضية اطلاقها عدم اشتراط فصل فعلي كصلاة ونحوها، ولا زماني في مشروعيته كما أن قضيتها استحبابه لنفسه لا مشروطا بصلاة من فرض أو نقل. فما عن بعضهم من التقييد به كما عن آخر التفصيل بين من يحتمل صدور الحدث منه فلا يشترط فيه وبين غيره فيشترط ضعيف. نعم لا أستبعد تأكده للصلاة لا سيما الغداة والمغرب والعشاء. وعن بعضهم استحبابه لسجود التلاوة والشكر واحتمل ذلك في الطواف ولم يثبت الجميع. وهل يجري التجديد في غير الوضوء من الأغسال أو المختلفين؟ وجهان أقواهما العدم لظاهر الفتوى، وربما احتمل لقوله (عليه السلام) (2) " الطهر على الطهر " ومنه ينقدح الاستحباب في المتخالفين.
(وعلى السادس عشر) قوله (صلى الله عليه وآله) (3) " يا أنس أكثر من الطهور يزد الله في عمرك، وإن استطعت أن تكون بالليل والنهار على طهارة فافعل فإنك تكون إذا مت على طهارة شهيدا " وعن الإرشاد للديلمي (4) عنه (صلى الله عليه وآله): " يقول الله تعالى من أحدث ولم يتوضأ فقد جفاني " وعن نوادر الراوندي (5) عن أمير المؤمنين
Bogga 18
عليه السلام: " كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله إذا بالوا توضؤا أو تيمموا مخافة أن تدركهم الساعة ".
و (منها) - جماع الحامل لما أرسله في المدارك، ولقول النبي (صلى الله عليه وآله) في وصيته (1) لعلي (عليه السلام) " يا علي إذا حملت امرأتك فلا تجامعها إلا وأنت على وضوء فإنه إن قضي بينكما ولد يكون أعمى القلب بخيل اليد ".
و (منها) - أكل الجنب بل وشربه لرواية الحلبي (2) " أنه إذا كان الرجل جنبا لم يأكل ولم يشرب حتى يتوضأ وقوله (عليه السلام) بعد أن سأله عبد الرحمن (3) أيأكل الجنب قبل إن يتوضأ؟ قال: " إنا لنكسل ولكن يغسل يده والوضوء أفضل " وعن بعضهم حمل الوضوء في هذه الخبار على غسل اليد. ولوجه كما ورد (4) في بعض الأخبار: " الجنب إذ أراد أن يأكل ويشرب غسل يده وتمضمض وغسل وجهه " واستقر به آخر لكثرته في الأخبار، ولا يبعد التخيير بينهما أو حمل هذه على تكملة الوضوء. يأتي تمام الكلام في باب الجنابة إن شاء الله.
(ومنها) - دخول المساجد لما أرسله في المدارك أيضا، ولرواية مراز بن حكيم (5) المروية عن كتاب المجالس الصدوق عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: " عليكم باتيان المساجد فإنها بيوت الله في الأرض، ومن أتاها متطهرا طهره الله من ذنوبه
Bogga 19
وكتب من زواره " وللمرسل الآخر (1) " إن في التوراة مكتوبا أن بيوتي في الأرض المساجد فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي " الحديث. وربما استدل عليه بقول أمير المؤمنين (عليه السلام) (2): " من أحسن الطهور ثم مشى إلى المسجد فهو في الصلاة ما لم يحدث ". وقد يتأكد الاستحباب إذا أراد الجلوس فيه، لمرسلة العلا ابن الفضيل (3) عمن رواه عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: " إذا دخلت المسجد وأنت تريد أن تجلس فلا تدخله إلا طاهرا ". والوهن في الدلالة مجبور بفتوى كثير من الأصحاب كما عن الوسيلة والنزهة والجامع والنهاية والإرشاد والمنتهى والسرائر والبيان والمفاتيح وغيرهن وبه صرح في كشف الغطاء والحدائق وكشف اللثام وشرح شيخنا للقواعد. وعن ابن حمزة إلحاق كل موضع شريف. وفي كشف الغطاء: " ويقوى القول برجحانه للدخول في كل مكان شريف على اختلاف المراتب بقصد تعظيم الشعائر من قباب الشهداء ومحال العلماء والصلحاء من الأموات والأحياء ".
و (منها) - النوم لقوله (عليه السلام) (4): " من تطهر ثم آوى إلى فراشه بات وفراشه كمسجده " وعن الشهيد احتمال ارجاعه إلى الكون على الطهارة والظاهر خلافه ولا مانع من كون الحدث غاية للوضوء للرواية وعن جماعة الفتوى به.
و (منها) للمجامع إذا أراد أن يجامع مرة أخرى قبل الغسل لتلك الموطوءة أو غيرها لقول الصادق (عليه السلام) (5) في مرسل ابن أبي نجران " إذا أتى الرجل جاريته
Bogga 20
ثم أراد أن يأتي الأخرى توضأ " وقول الرضا (عليه السلام) (1) في خبر الوشا " كان أبو عبد الله (عليه السلام) إذا جامع وأراد أن يجامع مرة أخرى توضأ وإذا أراد أيضا توضأ " و (منها) - كتابة القرآن لخبر علي بن جعفر (2) سأل أخاه (عليه السلام) " أيحل أن يكتب القرآن في الألواح والصحف وهو على غير الوضوء؟ قال: لا ".
و (منها) - القدوم من سفر لقوله (عليه السلام) (3): " من قدم من سفره فدخل على أهله وهو على غير وضوء فرأى ما يكره فلا يلومن إلا نفسه ".
و (منها) - للزوجين ليلة الزفاف لقول أبي جعفر (عليه السلام) (4) في خبر أبي بصير " إذا دخلت عليك إن شاء الله فمرهم قبل إن تصل إليك أن تكون متوضأة ثم لا تصل إليها حتى تتوضأ قبل ".
و (منها) - جلوس القاضي في مجلس القضاء كما عن النزهة ولم نقف له على دليل بالخصوص كما اعترف به كاشف اللثام والحدائق لكنه ذكره بعض الفقهاء ويحتمل أن يلحق به كل مجلس انعقد لطاعة الله كمجلس الدرس والوعظ وغيرهما لكن قد عرفت أن الملحق به غير ثابت.
و (منها) - ادخال الميت القبر لقول الصادق (عليه السلام) (5) في خبر عبيد الله الحلبي ومحمد بن مسلم " توضأ إذا أدخلت الميت القبر " وقيل (منها) تكفينه إذا أراد من يغسله أن يكفنه ويأتي إن شاء الله الاستدلال عليه وقيل (ومنها) قبل غسل الجنابة
Bogga 21