PARATEXT|
وله أيضا صلوات الله عليه:
Bogga 117
جواب لأهل صنعاء على كتاب كتبوه إليه عند قدومه البلد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله الذي ليس كمثله شي وهو السميع البصير.
أما بعد؛
فقد جاءني كتابكم تحذرون البدع المضلة، والأهواء المغوية، والآراء المحدثة، والميل إلى الخلاف والفرقة، وتحثون على لزوم الجماعة والأبرار الذين كانوا أعلام الهدى، ومصابيح الدجى، وذلك عندما بلغكم من اجتماع الناس على عيبي وطعنهم علي، وتنقصهم إياي، وشتمهم لي من غير حدث أحدثت، ولا خلاف أظهرت، ولارأي قبيح ابتدعت. زعموا أني تركت المنهاج الأكبر، وأني سلكت الطريق الأوعر. وتسألوني ما أنا عليه، وما أنا متمسك به، وإيضاح ذلك من لدن التوحيد إلى آخر فريضة من فرائض الله، وقد فسرت جميع ذلك في كتابي هذا حسب طاقتي، وبالله حولي وقوتي، وعليه أتوكل في جميع أموري.
Bogga 118
الإيمان بالله
أما الذي أرجو به الفوز، وهو لي عدة من عذاب الله وحرز وجنة: فإقراري لله عز وجل بالربوبية، وشهادتي له بالوحدانية، وإذعاني له بالعبودية، وأنه خالق كل شي مما يرى ومما لا يرى، في بطن الأرض وما تحت الثرى، وما في السموات العلى، بلا معين أعانه عليه، ولا دليل احتاج إليه، ولا مثال احتذى عليه. تفرد بخلق الأشياء لا من أصول أولية، ولا أوائل كانت قبله بدية، لكن مثلها بحكمته، وابتدعها بقدرته، من غير مثال سبق إليه، ولا لغوب دخل عليه.
لا تدركه الأبصار وهو يدرك الإبصار، ولا يوصف بتجسيد ولا أقطار. أزلي صمدي على غير كيفية، ولا وسوسة الصدور، بل ارتفع عن تحديد بصر البصير.
Bogga 119
الإيمان باليوم الآخر
وأشهد أن الجنة حق دار بقاء ونعمة، خلقها وكونها من رضوانه، فجعلها للمطيعين ثوابا. وأن النار دار شقاء ونقمة، خلقها من سخطه، فجعلها للعاصين عقابا. لا يفنى عذابه، ولا يبيد ألمه، ولا يخلف وعده ولا وعيده، ولا يظلم عبيده، وإليه نحشر يوم ينفخ في الصور، عند صيحة النشور، فنثور بعد البلاء من القبور، ويدعوا الكافر المغرور بالويل والثبور، ونعرض على الرحمن صفا، ويعض الكافر من الندامة كفا، فيفصل بيننا بعدل لا يجور، فريق في الجنة وفريق في السعير.
فسبحان من ملكه دائم لايزول.
Bogga 120
الإيمان بمحمد
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اختاره بعلمه، وبعثه إلى خلقه، وائتمنه على وحيه؛ فدعى الناس إلى الله بجد واجتهاد، رحيما بالعباد، ونورا للبلاد، فافتتح الدعوة بقومه، صلى الله عليه وآله وسلم، فأبوا له التسليم، وهموا به العظيم، ومنعوه الأسواق، وضيقوا عليه الآفاق، ونصبوا له الحبايل، وطلبوا له الغوايل، وشحذوا له السيوف ليذيقوه الحتوف، فعصمه الله منهم، ورد كيدهم بينهم في نحورهم، وأيده بنور ساطع، وحجج حق وسيف قاطع، وبراهين صدق في القلوب واقع، فأدخلهم في الملة بين مسلم مستسلم، وبين مستسلم متجشم، يكتمون النفاق مخافة ضرب الأعناق، فصلى الله على الناصح الشفيق، محمد بن عبدالله الطيب الرفيق، الدال على المنهاج الواضح، والطريق اللايح، صلوات الله عليه وعلى أهل بيته الأخيار وعلى ابن عمه علي بن أبي طالب أسبق السابقين سبقا، وأولهم ايمانا وسلما، أنقذنا الله به من شفا الحفرة، ومغاليط الكفرة، وسحقات الفجرة.
Bogga 121
الإيمان بالقرآن
ثم إني أشهد أن القرآن وحي الله وكتابه وتنزيله، أنزله على نبيه عصمة لمن اعتصم به، ونجاة لمن تمسك به. من عمل به نجا، ومن خالفه غوى وفي النار غدا تردى، مفصل آياته، موصل محكماته، كثيرة عجايبة، سنية مذاهبه، نير برهانه، واضحة حجته.
Bogga 122
الاقرار بفرائض الإسلام ومنهياته
وأشهد أن الصلاة واجبة، وأن الزكاة لازمة، وشهر رمضان فرض صيامه، ولم توجب علينا النافلة قيامه. والحج على الناس دين من استطاع إليه سبيلا، والاستطاعة الزاد والراحلة، وأمان الطريق. والجهاد قسرا يقسر النفوس على القيام بالجهاد قسرا، وفي الجهاد فضل الدرجات، والبعد من النقمات.
ودفع الصدقات إلى أهلها، مع اجتناب المحرمات، والاغتسال من الجنابات، مع الوضوء بالماء الطاهر، أو التيمم بالصعيد الطيب، والمحافطة لأوقات الصلوات.
والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وعمارة المساجد بالذكر والصلوات، لا بالفواحش والزور من الشهادات، كفعل أهل زماننا الفاسقين منهم والفاسقات.
والحب في الله والبغض في الله، والموالاة فيها لأولياء الله، والمعاداة لأعداء الله من كانوا وأين كانوا. وكل من خالف كتاب الله في شي، من العتق، والطلاق، وغير ذلك مردود إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. والتسليم لأمر الله، والرضا بما قضا الله.
واجتناب الكبائر، والآثام دقها وجلها، وقتل النفس التي حرم الله بغير الحق، والفرار من الزحف، وأكل الربا، واجتناب الزنى، وأكل أموال اليتامى ظلما، وترك التعرض لأموال المسلمين والمعاهدين، مع ترك الأياس من روح الله، ولا يؤمن مكر الله. وترك شرب المسكر، وتعليم السحر، ولا نصدق بالكهانة والطيرة.
مع العلم بأن محض الإيمان ترك النميمة، والغيبة والبهتان، والحسد، والبغي، والظلم، والجور، والفحش، من قول الزور والخنا، والخيانة، ونقض العهد، وخفر الأمانة، والعظمة في النفس، والإعجاب، والكبر، والجفاء بالحق وأهله، والقسوة، والغلظة، والفظاظه، والشحنا، والسمعة، والعصبية، والعداوة، والبغضاء، والمغالبة والمكابرة، واليمين الفاجرة، والكذب، والغدر، وسوء الخلق، والأياس من الرزق.
Bogga 123
وعليكم بالعمل بتقوى الله، والحياء من الله، والتعظيم لأمر الله، وصدق الحديث، والمواساة في المال لذوي القربى، واليتامى، والمساكين، وغض البصر، وعفة البطن، وحفظ الفرج، وأكل الحلال، والزهد في الحرام، وترك الدنيا، واستعمال الورع، والتضرع في الدعاء، والصيانة، والخشوع، والرحمة، والخضوع، والرأفة، والرقة، والرفق، وحسن الخلق، ومداراة الضعيف، والمسلم، وإغاثة الملهوف، والحياء، والكرم، والحلم، والصبر، وكظم الغيظ، وكف الأذى، والعفو عمن ظلمك، والكف عمن شتمك، والتفضل على من حرمك، وإفشاء السلام، وإطعام الطعام، والصلاة بالليل والناس نيام.
ورأس الأمر وأوله، وآخره ووسطه، وتمامه النصيحة للولي والعدو، والبر والفاجر، وترك الغش لجميع الخلق.
Bogga 124
التمسك بأهل البيت دون من سواهم من الفرق
فهذا وفقكم الله دين المؤمنين وديني وما عليه اعتقادي، لست بزنديق ولا دهري، ولا ممن يقول بالطبع، ولا ثنوي، ولا مجبر قدري، ولا حشوي، ولا خارجي. وإلى الله أبرأ من كل رافضي غوي، ومن كل حروري ناصبي، ومن كل معتزلي غال، ومن جميع الفرق الشاذة، ونعوذ بالله من كل مقالة غالية، ولابد من فرقه ناجية عالية، وهذه الفرق كلها عندي حجتهم داحضة.
والحمد لله، وأنا متمسك بأهل بيت النبؤة، ومعدن الرسالة، ومهبط الوحي، ومعدن العلم وأهل الذكر، الذين بهم وحد الرحمن، وفي بيتهم نزل القرآن، والفرقان، ولديهم التأويل والبيان، وبمفاتيح منطقهم نطق كل لسان، وبذلك حث عليهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقوله: (( إني تارك فيكم الثقلين لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، مثلهم فيكم كسفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى.)) فقد أصبحوا عندي بحمد الله مفاتيح الهدى، ومصابيح الدجى، لو طلبنا شرق الأرض وغربها لم نجد في الشرف مثلهم. فأنا أقفوا آثارهم، وأتمثل مثالهم، وأقول بقولهم، وأدين بدينهم، وأحتذي بفعلهم.
Bogga 125
من عناصر الإيمان
العمل من الإيمان والإيمان من العمل بمنزلة الروح من الجسد، يزيد وينقص: بتمام الإيمان دخل المؤمنون الجنة، وبزيادته تفاضلوا في الدرجات عند الله، وبالنقصان منه دخل المقصرون النار. وأنا مؤمن بقضاء الله وقدره، ماكرهت نفسي من ذلك وما رضيت، ومقر بأن القرآن كلام الله ووحية، وتنزيله وحجته على خلقه، أحكم تأليفه إحكاما، وأنشأه بأحسن الإنشاء؛ فجعله برهانا وتفصيلا، سماه قرآنا عربيا لقوم يعقلون، وأدين بأن المقاييس والرأي في الدين دين إبليس اللعين.
وأشهد أن لله المشيئة في جميع أفعاله، من زيادة ذلك ونقصانه، ومحوة وإثباته.
وأشهد أن الله تبارك وتعالى لم يقطع وحيه، ولم يقبض نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، حتى أكمل دينه، وبين له جميع ما يحتاج إليه من الحلال والحرام، والفرائض والأحكام، والمواريث والأقسام، وجميع ما فيه النجاة من النيران، والوصول إلى دار السلام. وكذلك أشهد أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يكتم شيئا من الحق، بل أدى عن الله الصدق، ونهى عن الكذب، والفسق، والكفر، والظلم، والجور، والبغي، وكل ما لا يجوز في الدين، هذه شهادتي عليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
Bogga 126
الترضية على الصحابة وأمهات المؤمنين
ولا أنتقص أحدا من الصحابه الصادقين والتابعين بإحسان، المؤمنات منهم والمؤمنين، أتولى جميع من هاجر، ومن آوى منهم ونصر، فمن سب مؤمنا عندي استحلالا فقد كفر، ومن سبه استحراما فقد ضل عندي وفسق، ولا أسب إلا من نقض العهد والعزيمة، وفي كل وقت له هزيمة، من الذين بالنفاق تفردوا وعلى الرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مرة بعد مرة تمردوا، وعلى أهل بيته اجترءوا وطعنوا. وإني أستغفر الله لأمهات المؤمنين اللواتي خرجن من الدنيا وهن من الدين على يقين، وأجعل لعنة الله على من تناولهن بما لا يستحققن من ساير الناس أجمعين.
Bogga 127
الحوض والشفاعة
ولا أنكر الحوض ولا الشفاعة، { ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم } [الأنفال: 42] { من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد } [فصلت: 46]
فهذا ديني واعتقادي، والحمد لله رب العالمين، وصلواته على خير خلقه أجمعين محمد وعترته الطاهرين.
Bogga 128