احتلت الحادثة مكانها في صفحة الحوادث، قرأ بعناية وانتباه كامل؛ بدأت بملاحظة عابرة من البواب لباب شقة المقاول حسنين جودة الذي لم يكن مغلقا كعادته، وانتهت باكتشاف جثة زوجة المقاول الموظفة، اتصل بشرطة النجدة، تبين أن المرأة خنقت بينا كان زوجها في رحلة تجارية بالإسكندرية. لم تكتشف سرقة، عثر على زجاجة كونياك وعلبة شيكولاطة، وطبعا التحقيق ماض في طريقه إلى الكشف عن أسرار الجريمة والقبض على القاتل. ووجد الموظفين واجمين والجو مشحونا بأخبار الجريمة وتأويلاتها، ثمة حسرة ورثاء وتساؤل عن بواعث الجريمة، وعن معنى وجود الكونياك والشيكولاطة في غياب الزوج. وقال أحدهم: كل شيء مفهوم ولكن لم قتلها؟
أجل لم قتلها؟ وقعت الواقعة في مجال تنفسه وهو لا يفقه لها معنى، ليس الواقع كما يتصورون، وسوف يندفعون جميعا كالسكارى في طريق الضلال؛ ليرتكبوا جريمة أخرى. وقد جاءهم صاحب الحذاء بقدميه ولكنهم يتساءلون عن صاحب الخمر والشيكولاطة، هو وحده يتشوق لمعرفته وكشف سره المغلق فلعله يعثر عليه في الجنازة، بل يجب أن يعثر عليه في الجنازة كما يقضي به المنطق، وذهب ممتلئا بالتصميم بقدر ما هو ممتلئ بالشجن، وتفحص بعين ثاقبة أهل الفقيدة من المستقبلين. رأى الزوج الذي يوشك أن يصرعه المرض، ورأى آخرين، ولكنه لم يعثر لضالته الماكرة على أثر، وسار وراء النعش وهو يختلس إليه النظر بقلب منقبض، وكاد إلى حين ينسى مخاوفه تحت موجة الحزن التي غمرته، وتذكر قصة حبه القصيرة العميقة التي مضت في عناء، ولم تخلف إلا التعاسة والرعب. •••
من هو صاحب الحذاء الأبيض؟ هل رآه البواب ليلة الجريمة وهل يعرفه؟ أما هو فقد رآه البواب، ولما سأله عن مقصده أخبره أنه ذاهب إلى طبيب الأسنان بالدور الثالث، وإلى العيادة ذهب فعلا للكشف والتنظيف تنفيذا لتدبير حكيم اتفق عليه مع الفقيدة، فمن تلك الناحية لا خوف عليه.
وقال موظف بالإدارة بعد أن فرغ من قراءة الجريدة: الأمور تتضح؛ فالزوج مريض جدا، وله مطلقة أنجب منها شابا وشابة جامعيين، والعلاقة بينه وبين أسرته الأولى سيئة جدا.
فقال ثان: وإذن فيهم أسرته الأصلية التخلص من الزوجة الجديدة قبل أن تستولي على أموال أبيهم ...
وتساءل ثالث: هل من علاقة بين ابن المقاول وبين الخمر والشيكولاطة؟
فقال الأول: لن يفوت المحقق شيء من ذلك.
فقال رابع: سيصلون إليه عن طريق الزجاجة والعلبة ...
فقال عمرو وهو يداري حنقه: توجد آلاف الزجاجات وآلاف العلب! - ولكن العلبة تدل على الدكان، والدكان تدل على الشاري، وقد يعثرون على لفافة الزجاجة فيعرف المخزن أو المحل ... - ثم يعرض الشاب أو المتهم على عمال المحل والمخزن.
جميع الأدلة متوفرة إذا تركزت الشبهات في الزجاجة والعلبة، فكر في ذلك طويلا وقلبه يغوص في أعماق من الكآبة، وعاد الموظف الأول يقول: الأمر واضح، ابن المقاول أنشأ علاقة مع المرحومة ثم قتلها.
Bog aan la aqoon