كانت الأضواء مسلطة على وجهه ومن حوله الجنود والأتباع والخدم، والعبيد، ولم يكن لأحد أن يرفع إليه عينيه دون أن تصطك أسنانه، ويسقط صريعا من وهج الضوء.
رفعت عينيها إليه دون أن تصطك أسنانها، دون أن تغمض عينيها. نظرتها ثابتة فوق يده. وجهها في الزجاج كوجه جدتها الميتة، والدم شريط طويل كدم أمها، وهو واقف أمامها طويل عريض. داخل جسد أبيها الميت. - العار لا يغسله إلا الدم.
تقدم نحوها رافعا يده قابضة على السكين. لم تتراجع إلى الوراء. ظلت في مكانها تحملق في وجهه بعينين مفتوحتين، عيناها واسعتان تلمعان. صورته منعكسة في عينيها. لم يكن يرى إلا صورته حين ينظر في عينيها. توقف لحظة يتأمل وجهه، كأنما يراه لأول مرة. الأنف مكسور أفطس، كأنف أبي الهول، والعينان صغيرتان مستديرتان، لونهما أصفر، كعيني السحلية، وبشرته سوداء كوجه إبليس.
تجمد في مكانه لحظة ثم أفاق. أدرك أنه يرى وجه الرجل الآخر في عينيها لا وجهه هو.
ساقطة كأمها وجدتها. كل النساء ساقطات. ناقصات عقل ودين. هكذا قال أبوه. حليفات الشيطان والباب الذي يفتح على الجحيم. هكذا قال جده. أصل البلاء وسبب الخطيئة كما جاء في الإنجيل. كيدهن عظيم كما قال الله في كتابه الكريم.
كان واقفا أمامها كالتمثال. أصابعه حول السكين متقلصة، عيناه مفتوحتان تحملقان في الفراغ. البياض جاحظ كبير، تشوبه صفرة، وشعيرات حمراء متعرجة. «النني» أسود صغير يدور حول نفسه كالبلية.
في دورته حول نفسه لم يرها. كانت واقفة عينها على السكين في يده. مدت يدها في لحظة خاطفة. لمع النصل بوميض البرق، وأصبح السكين في يدها.
تراجع إلى الوراء خطوة. يدها أصغر من يده. عظامها أقل وزنا من عظامه، لكن السلاح في يدها، والأقوى من يمتلك السلاح. - يا ساقط!
انفرجت شفتاه ليرد عليها لكن صوته لم يخرج. أراد أن يقول كأبيه وجده إن الرجل لا يسقط وإن ذهب لامرأة أخرى، لكن المرأة ساقطة بالطبيعة، وإن ارتدت الحجاب وتلفعت بالفضيلة. كان يظن أنها غير كل النساء، وأنه الرجل الوحيد في حياتها، الوحيد بلا شريك، وأنه يفقدها إلى الأبد. لكنه يفقدها الآن. حبه لها يتضاعف لحظة الفقدان. يكاد يلثم يديها يطلب الغفران. أنفاسه تلهث وهو واقف. صدره يعلو ويهبط. فوق صدره يهتز القرص الذهبي ويلمع تحت الضوء. اسمه الثلاثي محفور كالنقش. حروف متعرجة مشرشرة وسوداء، أ. ل. س. ي. د. ز. ك. ر. ي. ا. ا. ل. ع. ب. د. - السيد زكريا العبد؟
اسمه الثلاثي يتمدد أمام عينيها غريبا، كأرجل الخنافس الميتة، كأنما تراه لأول مرة. السيد؟ والعبد؟ في آن واحد؟ يرن في أذنيها صوت جدها الميت. - أنا سيدك وعبد المأمور.
Bog aan la aqoon