فهذه حالة غير سليمة، ولعله مات بعلة من عللها قبل أن يمعن في الشيخوخة، فقد علمنا من شعره أنه عاش حتى شاب ولا تزال بثينة في سن العشق والجمال، ثم مات وهي كذلك لا تزال فتية، فكانت وفاته - ولا ريب - في كهولة دون الشيخوخة الفانية، وكانت لعلة من علل الضعف التي لا تدل على بنيان وثيق، وإن كان هذا لم يمنعه أن يجد في حب بثينة أقوى الجد في هذا المقام.
بعض أخباره
قابلنا بين جميل وعمر بن أبي ربيعة في أكثر من خصلة واحدة من خصال الفن والحياة؛ إذ الحقيقة أنهما متقابلان يوشك أن يتناظرا في جميع الخصال: بداوة وحضارة، وعكوف على محبوبة واحدة وتشبيب بجميع الحسان، وعاطفة تغلب فيها الحاسة الإنسانية حيث كانت، وعاطفة تغلب فيها حاسة الطبقة الاجتماعية التي منها الشاعر، وكلا الشاعرين صادق فيما يمثله أو فيما يحكيه.
وإنهما ليتقابلان في أخبارهما كما يتقابلان في تلك الخصال التي أشرنا إليها.
فأخبار عمر مفهومة من ديوانه؛ لأنه ينظم فحواها ولا يدع منها إلا بعض التفاصيل، وأخبار جميل تحتاج إلى الرواة والناقلين؛ لأن الذي نظمه منها في ديوانه قليل الغناء في باب الأخبار، وإنما يدل على سيرته من طريق التفسير والتعقيب.
واختلاف العاطفتين يتأدى بنا إلى علة الفارق بينهما في هذه الخصلة كما يتأدى بنا إلى علل الفوارق بينهما في جميع الخصال.
فابن أبي ربيعة كان له في كل يوم خبر وعلاقة، وكان همه الأكبر أن يتحدث إلى الحسان ويتحدث عن الحسان، فلا عجب في اتساع ديوانه للأخبار المنظومة التي هي متعته وهجيراه.
أما جميل فعاطفته خبر واحد، إن لم ينظم في الحنين والشكوى فلا نظم عنده، ولا تأتيه الأخبار التي ينظم فيها إلا حين يطرأ طارئ يغير مجرى تلك الحياة الرتيبة، كما قال حين خرج عليه أهل بثينة:
ولست بناس أهلها حين أقبلوا
وجالوا علينا بالسيوف وطوفوا
Bog aan la aqoon